مفاتيح القلوب [ 1 ]


لقد كان من أبرز سمات المربي الرباني أن يكون خير من يرقى اسمه حقيقة لا حكماً في قلوب الناس , إذ هو يسير على خطا المصطفى –صلى الله عليه وسلم-الذي قال الله جل وعلا عنه : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ الْلَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظا غَلِيْظَ الْقَلْبِ لِانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آَلِ عِمْرَانَ:159) .

وإن من أسرار التأثير و حب الناس  للمربي المؤثر تمكنه من الوصول لقلوبهم عبر أبواب كثيرة منها :


– حسن الخلق :  قال صلى الله عليه وسلم:( إن من أحبكم إلي و أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلي و أبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون و المتشدقون والمتفيهقون  قالوا : يا رسول الله ما المتفيهقون ؟ قال : المتكبرون ).حديث صحيح أنظر صحيح الجامع رقم2201 , وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:”إن الرجل ليدرك بحسن خلقه ، درجات قائم الليل صائم النهار” رواه الألباني في صحيح الجامع. وبذلك يظهر أن سمة حسن الخلق , ورقي التعامل هي من الدين بلا شك , وإنها مفتاح الداعية الأزكى لقلوب الخلق .


– الرفق واللين : يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه ) رواه مسلم .


– الحب : عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” يَا مُعَاذُ ، إِنِّي أُحِبُّكَ ، فَقُلْ : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ ، وَشُكْرِكَ ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ” رواه أبو داود والنسائي. ولذا فإن المربي الذي يوصي , ويعظ , ويرشد , و يوجه من قلب يمتلئ حباً صادقاً للمدعو لا شك أنه مدعاة للقبول , والاستجابة , والرائي لبعض حالات العصيان والتمرد لبعض توجيهات وإرشادات المربين تُرجع بعض الأسباب إلى وجود بعد عاطفي عن التوجيه الملقى , وهذا ينافي منهج الرسالة المحمدية .


– الهشاشة والبشاشة : ( وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هاشاً باشاً لا تلقاه إلا مبتسماً).وهذا هو الرسول –عليه الصلاة والسلام- على عظم مسؤوليته , وضخامة همه , وثقل حمل الرسالة على كاهله وجده من حوله هاشاً باشاً مبتسماً لا فاحشاً و لا متفحشاً .


– لماح محفز : وهذه أداة إبداعية للمربي الناجح إذ تجده لماح لمن معه , محفزاً لهم إن رأى ما يدعو للثناء , ويدل على ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة –رضي الله عنه-قال:( قلت : يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك ؟ قال : لقد ظننت يا أبا هريرة ألا يسألني عن هذا الحديث أحد أوّل منك لِما رأيت من حرصك على الحديث : إن أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من نفسه) . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج بن عبد القيس: (إن فيك خصلتين يحبهم الله ورسوله: الحلم والأناة), *ولايخفى على المربي بعضاً من الضوابط في ذلك :كتعيين الفعل المثني عليه , وعدم المبالغة في الثناء والإطراء , والإتيان بالثناء في وقته ومكانه المناسبين .


– الاهتمام بمن معه لاسيما في المشاعر والاهتمامات :  في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجابر : ( يا جابر ! أتزوجت؟ قال: نعم. قال: بكراً أم ثيباً؟ قال: ثيباً، قال: هلا بكراً تداعبها وتداعبك؟ قال: إن لي أخوات وقد قتل أبي – يعني: في أحد – وترك عندي سبع أخوات فأردت امرأة تقوم على شئونهن, فسكت عليه الصلاة والسلام، ثم قال: يا جابر ! أتبيعني جملك؟ قال: ما ترى يا رسول الله! فشراه بأوقية، فلما ذهب اشترط جابر حملانه إلى المدينة ، قال: فدخلت المسجد فصليت ركعتين -وفي لفظ: قال له صلى الله عليه وسلم: صلِّ ركعتين- فلما أتى قال لـبلال : انقده الثمن, فأعطاه الأوقية, فولى جابر فأخذ الثمن وترك الجمل، قال: يا جابر ! تعال خذ الجمل والثمن، فساق الجمل والثمن}. إنها التربية الحقة حين يهتم المربي بشؤون من معه الدينية والدنيوية , إذ لا نشاز في ذلك , وبئس ما نرى من جفاء بعض المربين في هذا الجزء , حيث لا يولون اهتمامات من معهم (الدنيوية) أي اهتمام كالزواج , والوظيفة , والدراسة , وغيرها .


–  الوقوف في الملمات والمصاعب : وهي التي لها أثرها , وأجره –بإذن الله- , وفى الصحيح قال عليه الصلاة والسلام : ” من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ” , و هذا سلمان الفارسي لما أراد أن يعتق نفسه ولما لم يجد ما يعينه في فكاك نفسه قام معه عليه الصلاة والسلام , وقال للصحابة  :” أعينوا أخاكم “, وقد شارك الصحابة مع نبيهم في ذلك حتى كوتب أخوهم من سيده .

Thabit66@gmail.com

5 thoughts on “مفاتيح القلوب [ 1 ]”

  1. أخي الحبيب / سعيد محمد آل ثابت
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    وفقك الله تعالى وجعلك من السعداء الحامدين الثابتين على الحق , المحبين للخير والصدق.
    وجعلك مفتاحاً من مفاتيح الخير , وفتح لك قلوب خلقه بالمحبة والإقبال على ما تكتب وما تقول.
    استمتعت بقراءة مقالكم الرائع الماتع ” مفاتيح القلوب 1 ” وفي انتظار المزيد.
    مع خالص حبي وتقديري

    1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      المربي الفاضل الدكتور بدر ..
      كم شرفتني حقيقة بقراءتك , وتعليقك
      ومثلك يُفرح به معلقاً , ومعقباً , ومرشدًا ..أشكرك وأسأل الله لي ولك السعادة في الدارين

  2. مقال رائع أخي سعيد
    والله اسأل أن يجعله في موازين حسناتك
    وأن يجعله كما خرج من قلب يمتلئ حباً صادقاً أن يلقى القبول من الإخوة المربين.

    بوركت وسددت

  3. الأخ الغالي أبا عبد الرحمن
    شكراً على مرورك , وعلى تعليقك الصادق , وإن دل على شيء فهو يدل على إخلاصك للتربية , وأسأل الله النفع والفائدة ..

  4. شكر الله لك أ.سعيد على ما جُدت به

    نحتاج إلى مثل هذا الموضوع كثيراً , فمفاتيح القلوب هي إرهاصاتٌ لصناعة المتربي ..

التعليقات مغلقة.

نُشرت بواسطة

إدارة الموقع

إدارة الموقع

موقع تربوي يقدم تجربته في الحوار والإثراء المعرفي من عالم التطبيقات وعالم الواتساب الصغير إلى عالم المواقع وعالم الإثراء الكبير.