أيها الشباب لا تجربوا المعاصي [ 1 ]

 

  

فترة الشباب من أهم وأخطر الفترات في حياة كل إنسان ؛ فهي الفترة التي تتفتح فيها أعين المرء على الحياة بكل ما فيها من شبهات وشهوات ومغريات , والسعيد من عصمه الله تعالى فكان من الذين قال في وصفهم : ” إنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى” (13) سورة الكهف. لذا فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم من السبعة الذين يظلهم الله تعالى يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله ” وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ ” ( متفق عليه ).

 وتأتي أهمية مرحلة الشباب في حياة الإنسان، لما تتميز به من الحيوية والنشاط، وحدة الذكاء، والقدرة على الاستيعاب، والصبر والتحمل، ولما تتميز به من الميل إلى التقليد، واتخاذ قدوات يجعلها الشاب نصب عينه ويحاول الوصول إلى مستواها. لذا فإن الشيطان يحاول التلبيس على الشاب والدخول إليه من مدخل التجربة وحب الاستطلاع , فكلما أراد أن يفر من المعصية يقول له : أنت شاب لماذا لا تجرب ؟

  

لذا فقد ضرب لنا القرآن الكريم مثلاً رائعاً لعابد أغواه الشيطان عن طريق مدخل ( جرب ) حتى أوقعه في الكفر , قال تعالى: ” كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17)سورة الحشر.

 ذكر المفسرون في مناسبة هذه الآية: أن عابدا كان في بني إسرائيل وكان من أعبد أهـل زمانه وكان في زمانه ثلاثة إخوة لهم أخت وكانت بكرا ليس لهم أخت غيرها. فخرج الغزو على ثلاثتهم فلم يدروا عند من يخلفون أختهم ولا عند من يأمنون عليها، ولا عند من يضعونها، قال: فاجتمع رأيهم على أن يخلفوها عند عابد بني إسرائيل وكان ثقة في أنفسهم، فأتوه فسألوه أن يخلفوها عنده فتكون في كنفه وجواره إلى أن يقفلوا من غزاتهم. فأبى ذلك عليهم وتعوذ بالله منهم ومن أختهم. قال فلم يزالوا به حتى أقنعوه فقال الراهب: أنزلوها في بيت حذاء (مقابل أو جوار) صومعتي فأنزلوها في ذلك البيت ثم انطلقوا وتركوها فمكثت في جوار ذلك العابد زمانا ينزل إليها الطعام من صومعته فيضعه عند باب الصومعة، ثم يغلق بابه ويصعد في صومعته ثم يأمرها فتخرج من بيتها فتأخذ ما وضـع لها من الطعام. فتلطف له الشيطان فلم يزل يرغبه في الخير ويعظم عليه خروج الجارية من بيتها نهارا، وبخوفه أن يراها أحد فيعلقها. قال فلبث بذلك زمانا، ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير والأجر وقال له: لو كنت تمشي إليها بطعامها حتى تضعه، في بيتها كان أعظم لأجرك، قال: فلم يزل به حتى مشى إليها بطعامها فوضعه في بيتها، قال: فلبث بذلك زمانا ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير وحضه عليه، وقال: لو كنت تكلمها وتحدثها فتأنس بحديثك، فإنها قد استوحشت وحشة شديدة، قال: فلم يزل حتى حدثها زمانا يطلع عليها من فوق صومعته قال: ثم أتاه إبليس بعد ذلك فقال لو كنت تنزل إليها فتقعد على باب صومعتك وتحدثها وتقعد على باب بيتها فتحدثك كان آنس لها فلم يزل به حتى أنزله وأجلسه على باب صومعته يحدثها، وتخرج الجارية من بيتها، فلبثا زمانا يتحدثان ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير وفيما له من حسن الثواب فيما يصنع بها، وقال: لو خرجت من باب صومعتك فجلست قريبا كان آنس لها فلم يزل به حتى فعل، قال: فلبثا زمانا ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير والثواب فيما يصنع بها، وقال له: لو دنوت من باب بيتها فحدثتها ولم تخرج من بيتها ففعل فكان ينزل من صومعته فيقعد على باب بيتها فيحدثها فلبثا بذلك زمانا. ثم جاءه إبليس، فقال: لو دخلت البيت معها تحدثا ولم تتركها تبرز وجهها لأحد كان أحسن بك فلم يزل به حتى دخل البيت! فجعل يحدثها نهاره كله فإذا أمسى صعد صومعته. قال: ثم أتاه إبليس بعد ذلك يزينها له حتى ضرب العابد على فخذها وقبلها فلم يزل به إبليس يحسنها في عينه ويسول له حتى وقع عليها فاحبلها فولدت له غلاما. فجاءه إبليس، فقال له: أرأيت إن جاء إخوة هذه الجارية وقد ولدت منك كيف تصنع لا آمنت عليك إن تفتضح أو يفضحوك! فاعمد إلى ابنها فاذبحه وادفنه فإنها ستكتم عليك مخافة إخوتها إن يطلعوا على ما صنعت بها ففعل. فقال له أتراها تكتم إخوتها ما صنعت بها وقتلت ابنها! خذها فاذبحها وادفنها مع ابنها فلم يزل بها حتى ذبحها وألقاها في الحفرة مع ابنها وأطبق عليها صخرة عظيمة وسوى عليها التراب وصعد في صومعته يتعبد فيها فمكث في ذلك ما شاء الله إن يمكث. حتى قفل إخوتها من الغزو فجاءوه فسألوه عنها فنعاها لهم وترحم عليها وبكى لهم وقال: كانت خير أمة وهذا قبرها فانظروا إليه فأتى إخوتها القبر فبكوا وترحموا عليها وأقاموا على قبرها أياما ثم انصرفوا إلى أهليهم. فلما جن الليل عليهم واخذوا مضاجعهم أتاهم الشيطان في صورة رجل مسافر فبدأ بأكبرهم فسأله عن أختهم فأخبره بقول العابد وموتها وترحمه عليها وكيف أراهم موضع قبرها فكذبه الشيطان وقال لم يصدقكم أمر أختكم إنه قد أحبل أختكم وولدت منه غلاما فذبحه وذبحها معه فزعا منكم وألقاها في حفرة احتقرها خلف الباب الذي كانت فيه عن يمين من دخله فانطلقوا فادخلوا البيت الذي كانت فيه عن يمين من دخله فإنكم ستجدونها هنالك جميعا كما أخبرتكم. قال: وأتى الأوسط في منامه وقال له مثل ذلك ثم أتى أصغرهم فقال له مثل ذلك فلما استيقظ القوم استيقظوا متعجبين لما رأى كل واحد منهم، فاقبل بعضهم على بعض، يقول كل واحد منهم: لقد رأيت البارحة عجبا، فأخبر بعضهم بعضا بما رأى، قال أكبرهم: هذا حلم ليس بشيء، فامضوا بنا ودعوا هذا. قال أصغرهم: لا أمضي حتى أتى ذلك المكان فأنظر فيه. قال فانطلقوا جميعا حتى دخلوا البيت الذي كانت أختهم فيه ففتحوا الباب وبحثوا الموضع الذي وصف لهم في منامهم فوجدوا أختهم وابنها مذبوحين في الحقيرة كما قيل لهم فسألوا العابد فأقر على نفسه فأمر بقتله. قال ابن عباس: فلما صلب قال الشيطان له: أتعرفني؟ قال. لا والله! قال أنا صاحبك الذي علمتك الدعوات أما اتقيت الله، أما استحيت منه وأنت أعبد بني إسرائيل! ثم لم يكفك صنيعك حتى فضحت نفسك، وأقررت عليها وفضحت أشباهك من الناس فإن مت على هذه الحالة لم يفلح أحد من نظرائك بعدك فقال كيف أصنع؟ قال: تطيعني في خصلة واحد وأنجيك منهم وآخذ بأعينهم قال: وما ذاك؟ قال تسجد لي سجدة واحدة! فقال: أنا أفعل فسجد له من دون الله. فقال الشيطان: هذا ما أردت منك كان عاقبتك أن كفرت بربك، إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين. تفسير القرطبي 18/39 .

 فانظر إلى الشيطان كيف دخل إلى هذا العابد من مدخل التجربة ,فزين له المعصية وكان كلما أراد أن يرجع يقول له : جرب حتى أوقعه في الكفر عياذاً بالله .

  

وإذا ما تلبس المرء بالمعصية جرت عليه تبعات وحسرات وعواقب وخيمة من أهمها :

 1- أن المعصيةَ تُورِثُ صاحِبَها وحشةً وظلمة في القلب . قال تعالى : ” فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) سورة الأنعام , وقال : ” الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29) سورة الرعد. عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ ، عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا ، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْب أَنْكَرَهَا ، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفََا ، فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا ، كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا ، لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا ، وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا ، إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ. أخرجه أحمد 5/386(23669و”مسلم” 1/89(286) .

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَاكَ الرَّيْنُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فِي الْقُرْآنِ (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ). أخرجه أحمد 2/297(7939) و”ابن ماجة” 4244 و”التِّرمِذي” 3334 و”النَّسائي” في “الكبرى” 10179 الألباني :حسن ، التعليق الرغيب ( 2 / 268 ). قَالَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ ابْنِ عَطَاءٍ وَكَمَا لَا يُحِبُّ اللَّهُ عَمَلَ الْمُشْتَرَكِ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْقَلْبَ الْمُشْتَرَكَ ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ بَيْتُ الرَّبِّ ، وَالرَّبُّ يَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ غَيْرُهُ. فيض القدير 2/310.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ :

 رَأَيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ الْقُلُوبَ * * * وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إِدْمَانُهَا

وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ * * * وَخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيَانُهَا

 وقال بعض العارفين : النفوس ثلاثة : نفس معيبة ، لا يقع عليها بيع ولا شراء، وهي نفس الكافر ، ونفس تحررت؛ لا يصح بيعها ، وهي نفس الأنبياء والمرسلين ، لأنها خُلقت مطهرة من البقايا ، ونفس يصح بيعها وشراؤها ، وهي نفس المؤمن ، فإذا باعها لله ، واشتراها الحق تعالى منه ، وقع عليها التحرير ، وذلك حين تحرر من رقّ الأكوان ، وتتخلص من بقايا الأثر . تفسير ابن عجيبة 2/451.

  

وهذه الوحشة والظلمة التي في القلب تؤدي إلى حرمان الطاعة ,كما أنها تورث وهناً وضعفاً في البدن, قال ابن القيم” فإن الذنوب تضر بالأبدان وأن ضررها بالقلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر وهل في الدنيا والمعاصي فما الذي أخرج الأبوين من الجنة؟ دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السموات وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه فجعل صورته أقبح صورة وباطنه أقبح من صورته وبدله بالقرب بعدا وبالجمال قبحا وبالجنة نارا وبالإيمان كفرا.

  

 2- تكون سببا لِهوانِ العبدِ على ربِّه وهوانه على الناس . قال تعالى : ” فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) سورة النمل . عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ , وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلاً ، كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلاَةٍ ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ , فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ , فَيَجِىءُ بِالْعُودِ , وَالرَّجُلُ يَجِىءُ بِالْعُودِ , حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا , فَأَجَّجُوا نَارًا , وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا. أخرجه أحمد 1/402(3818) ( حسن ) انظر حديث رقم : 2687 في صحيح الجامع .

قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ( إنّ للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسَعة في الرزق، وقوَّة في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب ، ونقصاً في الرزق ، ووهناً في البدن ، وبُغضاً في قلوب الخلق ). ابن تيمية، منهاج السُّنة 1/ 269. قال ابن الجوزي في ” اللطائف ص 2: ” إياك والذنوب فإنها أذلت أباك بعد عز ‏(‏اِسجدوا‏)‏ وأخرجته من أقطار ‏(‏اسكُن‏)‏ مذ سبى الهوى آدم هوى دام حزنه فخرج أولاده العقلاء محزونين وأولاده السبايا أذلة أعظم الظلمة ما تقدمها ضوء وأصعب الهجر ما سبقه وصل واشد عذاب المحب تذكاره وقت القرب كان حين إخراجه لا تمشي قدمه والعجب كيف خطا‏. ‏

قال شابٌ للحسن البصري : أعياني قيام الليل ، فقال : قيدتك خطاياك .

قال الحسنُ البصري عن العصاة : هانُوا عليه فَعَصَوه ، ولو عَزُّوا عليه لَعَصَمَهُم .

   

 يقول الشاعر : يا ناظرا يرنوا بعيني راقد *** ومشاهدا للأمر غير مشاهد

 منيت نفسك ظلة وأبحتها *** طرق الرجاء وهن غير قواصد

 تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي *** درج الجنان بها وفوز العابد

ونسيت أن الله أخرج أدما *** منها إلى الدنيا بذنب واحد

  

 والمعصية تكون سبباً في بغض الناس ونفورهم من صاحبها , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:إِنَّ اللهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، إِنِّي أُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ ، قَالَ : فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، قَالَ : ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ : إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاَنًا ، قَالَ : فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ ، وَإِنَّ اللهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، إِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ ، فَقَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، إِنِّي أُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضْهُ ، قَالَ : فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ، قَالَ : ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ : إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضُوهُ ، قَالَ : فَيُبْغِضُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الأَرْضِ. أخرجه “أحمد” 2/267(7614) و”البُخاري” 7485 و”مسلم” 6798 .

قال أبو الدرداء رضي الله عنه : إن العبد ليخلو بمعصية الله تعالى فيُلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر.

  

وقال سليمان التيمي : إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح و عليه مذلته. وقال الفضيل بن عياض :” إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي”. ابن الجوزي : صيد الخاطر 34.

   

3-حرمان الطاعة ونقصان الإيمان . قال تعالى : ” الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) سورة الأنعام . عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:لاَ يَزْنِى الْعَبْدُ حِينَ يَزْنِى وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَقْتُلُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ. فَقُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ : كَيْفَ يُنْزَعُ الإِيمَانُ مِنْهُ قَالَ هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا فَإِنْ تَابَ عَادَ إِلَيْهِ هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.أخرجه البخاري 8/197(6782) و”النَّسائي” 8/63 .

 ففي هذا الحديث يبين لنا النبي – صلى الله عليه وسلم – أثر المعاصي على الإيمان، وكيف أنه يضعف ويهزل حتى لا يبقى منه إلا القليل، كل ذلك بسبب المعاصي، فعلى المسلم الذي يريد أن يحافظ على منسوب إيمانه عالياً مرتفعاً أن يواظب على الطاعات، ويجتنب المعاصي والسيئات، ففي ذلك نجاته في الدنيا والآخرة .

   

قال الشاعر : إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا … فَلَا تَقُلْ خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ

 وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفُلُ سَاعَةً … وَلَا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيبُ

غَفَلْنَا الْعُمُرَ وَاللهِ حَتَّى تَدَارَكَتْ … عَلَيْنَا ذُنُوبٌ بَعْدَهُنَّ ذُنُوبُ

 فَيَا لَيْتَ أَنَّ اللهَ يَغْفِرُ مَا مَضَى … وَيَأْذَنُ فِي تَوْبَاتِنَا فَنَتُوبُ

   

4- تكونُ سبباً في حِرْمانِ العلم والرزق . قال تعالى : ” وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) سورة طه. قاله مجاهد. وقيل : أنساهم نصيباً من الكتاب بسبب معاصيهم ، قال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه: “إني لأحسب الرجل ينسى العلم، بالخطيئة يعلمها” . أخرجه البيهقي في المدخل إلى السنن (رقم 487)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (رقم 1195)، والخطيب في الجامع (رقم 1850). وقال رجل للإمام مالك: “يا أبا عبد الله، هل يصلح لهذا الحفظ شيء ؟ قال: إن كان يصلح له شيء، فترك المعاصي” . الجامع للخطيب (رقم 1846). ذكر عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه عن محمد بن سيرين أنه لما ركبه شيء اغتم لذلك فقال:” إني لأعرف هذا الغم بذنب أصبته منذ أربعين سنة “.

hamesabadr@yahoo.com

نُشرت بواسطة

إدارة الموقع

إدارة الموقع

موقع تربوي يقدم تجربته في الحوار والإثراء المعرفي من عالم التطبيقات وعالم الواتساب الصغير إلى عالم المواقع وعالم الإثراء الكبير.