أي أُخَيّ .. إن العين لتنظر إليك نظرةً حانيةً دافئة , و إن القلب ليخفق من فرْطِ حُبّك و حبّ الصالحين أمثالك . و ما زاغ من زاغ , و لا ضلّ من ضلّ , إلا بتسلّطِ الذئاب عليه , و قد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ” , و أخبر الله – تعالى – في كتابه العظيم حال من اتخذ صاحب السوء خِلاً و قرينا .. فقال في سورة الفرقان : [ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يلَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً. يوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً. لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي ] (الفرقان:27- 29) .
و إنني أُعيذك بالله – و أنت ذو عقلٍ راجح – أن تقفَ هذا الموقف , في يومٍ يفرُّ المرء فيه من أقرب الناسِ إليه , فتأمل رعاك الله .
لفتة : أي أُخَيّ .. فإذا علمتَ ذلك , و عقلتَ أن الذئابَ تتربّصُ بك في كلِّ حين , فاعلم أن الصُّحبةَ الصالحة , و الجماعةَ المؤمنة , سببٌ من أعظم أسباب الصلاح و الاستقامة , و سببٌ من أعظم أسباب الثبات على الدين , فالحبُّ في الله منزلةٌ عظيمة , قلّ من يصلُ إليها , و من حطّ رحالهُ فيها , فقد فاز الفوز العظيم , و نال الكرامةَ المنشودة , عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (إن الله يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظلَّ إلا ظلِّي ) رواه مسلم . و عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : قال الله عز وجل : ( المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء ) رواه الترمذي . فإذا عرفتَ فالزم , و قُل آمنت بالله ثم استقم .
لفتة : أي أُخيّ .. ثم اعلم أن الحبّ في الله , معنىً سامٍ كسموِّ عاقبته , و نقيٍّ كنقاء الثلج , و حلوٍ كحلاوة الشهْد , و دائمٍ ما دامت الحياةُ الدُّنيا .. ذلك أنه حبٌّ خالٍ من المصالح الشخصيّة , و المطامعِ الدنيويّة , معناه أن تُحبّ المرء لا تحبه إلا من أجل طاعته لله , و امتثاله لأوامر الله , و انتهائه عما نهى الله عنه , فكلّما كان صاحبُك لله أقرب , كلما كان حبّك له أعظم , و العكس بالعكس , و إيّاك أن تظنّ أن امتثاله لأوامر الله هو فقط في أدائه للصلاة و تقصيره لثوبه , لا .. فالأمرُ أكبر من ذلك , فإن سماحةَ النّفسِ , و بشاشةَ الوجهِ , و نظافةَ الثوبِ , و لطافةَ المعشرِ , و إدخالَ السرورِ على قلب المؤمن , كلّها في الحقيقة من امتثال أمر الله . [1] و لما سُئل أبو حمزة النيسابوري عن المتحابين في الله عز وجل من هم ؟ فقال : ” العاملون بطاعة الله ، المتعاونون على أمر الله ، وإن تفرقت دورهم وأبدانهم ” . فـ لله ما أنقى هذا الحُبّ .
لفتة : أي أُخيّ .. ثم إنني أؤكدُ لك , أن مجتمع الحلقات و المكتبات (الشباب) – على ما جربته – لن تجدُ فيه جموداً قاسياً , و لا انفلاتاً مُخزيا , إنما الوسطُ هو الشعار[2] , و الجنّةُ هي الغاية . معاً سوف نشرع في حفظِ آياتٍ و سورٍ من القرآن , و سوف نلعبُ في مستطيلٍ أخضر , و سوف نحضرُ درساً علمياً , ثم نبدأ معاً في مسابقة فُكاهيّة تروّح عن النفوس , و لن نتركك حتى تشاركنا طعام العشاء ! هكذا سنكون معك ..
لفتة : أي أُخيّ .. ولو لم يكُن من هذه الحلقات إلا أن تكون عوناً لك على الطاعة , و حِرزاً لك من المعصية , لكفى بها من نعمة , فإن المرء ضعيفٌ بنفسه قويٌّ بإخوانه , وقد فطن لهذا أبونا موسى حين قال الله على لسانه : ” وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا ” القصص : 29 – 34 , فكيف بك – يا فاضل – إذا علِمتَ أن ما ستكسبهُ من مجتمع الحلقات أضعافَ ما تظن , فـ لله أقولها .. لقد أفدتُ منهم كل خصلةٍ طيّبة , فـ لله كم هذبوا من خُلُق , و كم صححوا من خطأ , و كم أصلحوا من خلل , و كم رأبوا من صدع .. فاستمسك بغرزهم يا رعاك الله .
لفتة : أي أُخيّ .. إيّاكَ أن تظن أن مجتمعَ الحلقة (الشباب) يقومُ على الشدّة و الصرامةِ , أو على الجدِّ و المثاليّة , أبداً أبداً .. بل هو مزيجٌ من الجدّ و الراحة , فمتى حضر الجدّ , كانوا هم الرّجال , و متى ما أقبلتْ مواكبُ الراحة , كانوا في طليعةِ الاستقبال , يلعبون و يضحكون و يمرحون !
لفتة : أي أُخيّ .. ثم اعلم أن قُطّاع الطريق , و لصوصَ الدين , يزدادون مع تأخّر الأزمان , و لا يأتي زمانٌ إلا و ما بعدهُ شرُّ منه , ثم يأتي زمانٌ يكون القابضُ فيه على دينه كالقابض على الجمر , حتى إذا تحرّكتْ همّةُ المرء , و سرَتْ في عروقه دماءُ التعقّل , و عزم على اختيار الرفقة الصالحة التي تدله على الخير , و تحفظه من الشرّ , تحرّك اللصوص و قٌطّاعُ الطريق بقضّهم و قضيضهم .. يحذّرونه من مغبّةِ ذلك , و أنه باختياره هذا الطريق , و سلوكه هذا الدرب , قد كتبَ على نفسه أن يكون تعيساً في حياته – و حاشاه – , مُعقّداً في تصرفاته , و أنّه سيودّع حياة الانفلاتِ و الحرّيةِ و الراحةِ , و سيلجُ في حياةٍ تتجذّر فيها معاني الغلظةِ و العبوسِ و الوسوسة و التنطّع – زعموا –[3] . فإيّاك – أيُّها الحبيب – أن تلتفت إلى هؤلاء اللصوص , فإنما هم دعاةٌ على أبواب جهنّم , أبوا إلا مشابهة أجدادهم الأوائل , حينما التفّوا على أبي طالب في مرضِ موته , و النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه للتلفظ بالشهادة عسى أن تنقذه من النار , فيقولان له : ” أترغبُ عن ملّةِ عبدالمطّلب ؟؟ ” فالكيْسَ الكيْس ![4]
لفتة : أي أُخيّ .. ثم إيّاكَ إيّاك .. أن تحكُمَ على تجربةٍ واحدةٍ فشلتَ فيها مع إحدى الحِلَق , ثم تعممها بظلمٍ و إجحافٍ على كلِّ الحِلَق , فالفشلُ في التجربة الأولى , لا يسوّغ لك الإعراض الكلّي , و كم من أناسٍ – عرفتهم – فشلوا في الأولى , ثم أفلحوا في الثانية , و ربما أخفقوا في الأولى و الثانية , ثم نجحوا في الثالثة , و صدّقني .. إذا ذقتَ حلاوتهم فلن تقوى على الفِكاك !!!
[1] ينبغي على المشرفِ أن يبيّن لطلابه أن معنى الاستقامةِ أشمل و أكبر من كونه طقوساً ظاهرية , فالإيمان جسدٌ و روح , أما التركيز على الشكليات , فهذا يدمّر شباب الجيل , و هل أضعف التزام الكثير إلا التركيز على المظاهر و إهمال المخابر !
[2] من المفترض أن يكون المحضن كذلك .
[3] على المربّي الفاضل أن ينبّه طلاّبه أن الاستقامة , و الانخراط في مجتمع الحلق , لا يعني شيئاً من ذلك , بل على العكس تماما , و عليه أن يؤكد هذه المعاني كلما انخرط فردٌ جديد في محضنه , حتى يقطع دابر الشيطان .
[4] الحذر الحذر .
التعليقات مغلقة.
ما شاء الله كلمات جميلة ومؤثرة
بارك الله فيك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اسأل الله أن يكتب لكم التوفيق
ويجعل لكم عند الناس قبولاً
رائع جداً إحتفظت بجزء من المقال
الأخ سمير الحراسيس , حياك الله يا أخي .
الأخت ملاك , و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته .. و أنتِ كذلك ..
أبو عبدالله , سعدتُ بحضورك و تشريفك !
جزى الله خيراً الأخ عبدالله الوائلي على هذه الكلمات النيرات، وأسأل الله تعالى أن يجعلها في ميزان حسناته يوم القيامة
و جزاك على هذه الكلمات أخي أبو عاصم .
بارك الله فيك أخي
لافتات رائعة تفيد كل مربي