اللافتة الأولى

laftat1

 

  أي أُخَيّ .. إن العين لتنظر إليك نظرةً حانيةً دافئة , و إن القلب ليخفق من فرْطِ حُبّك و حبّ الصالحين أمثالك . و ما زاغ من زاغ , و لا ضلّ من ضلّ , إلا بتسلّطِ الذئاب عليه , و قد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ” , و أخبر الله  – تعالى – في كتابه العظيم حال من اتخذ صاحب السوء خِلاً و قرينا .. فقال في سورة الفرقان : [ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يلَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً. يوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً. لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي ] (الفرقان:27- 29) .

و إنني أُعيذك بالله – و أنت ذو عقلٍ راجح – أن تقفَ هذا الموقف , في يومٍ يفرُّ المرء فيه من أقرب الناسِ إليه , فتأمل رعاك الله .

 

لفتة : أي أُخَيّ .. فإذا علمتَ ذلك , و عقلتَ أن الذئابَ تتربّصُ بك في كلِّ حين , فاعلم أن الصُّحبةَ الصالحة , و الجماعةَ المؤمنة , سببٌ من أعظم أسباب الصلاح و الاستقامة , و سببٌ من أعظم أسباب الثبات على الدين , فالحبُّ في الله منزلةٌ عظيمة , قلّ من يصلُ إليها , و من حطّ رحالهُ فيها , فقد فاز الفوز العظيم , و نال الكرامةَ المنشودة , عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –  (إن الله يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظلَّ إلا ظلِّي )  رواه مسلم . و عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : قال الله عز وجل : ( المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء ) رواه الترمذي  . فإذا عرفتَ فالزم , و قُل آمنت بالله ثم استقم .

 

لفتة : أي أُخيّ .. ثم اعلم أن الحبّ في الله , معنىً سامٍ كسموِّ عاقبته , و نقيٍّ كنقاء الثلج , و حلوٍ كحلاوة الشهْد , و دائمٍ ما دامت الحياةُ الدُّنيا .. ذلك أنه حبٌّ خالٍ من المصالح الشخصيّة , و المطامعِ الدنيويّة , معناه أن تُحبّ المرء لا تحبه إلا من أجل طاعته لله , و امتثاله لأوامر الله , و انتهائه عما نهى الله عنه , فكلّما كان صاحبُك لله أقرب , كلما كان حبّك له أعظم , و العكس بالعكس , و إيّاك أن تظنّ أن امتثاله لأوامر الله هو فقط في أدائه للصلاة و تقصيره لثوبه , لا .. فالأمرُ أكبر من ذلك , فإن سماحةَ النّفسِ , و بشاشةَ الوجهِ , و نظافةَ الثوبِ , و لطافةَ المعشرِ , و إدخالَ السرورِ على قلب المؤمن , كلّها في الحقيقة من امتثال أمر الله . [1] و لما سُئل أبو حمزة النيسابوري عن المتحابين في الله عز وجل من هم ؟ فقال : ” العاملون بطاعة الله ، المتعاونون على أمر الله ، وإن تفرقت دورهم وأبدانهم ” . فـ لله ما أنقى هذا الحُبّ .

 

لفتة : أي أُخيّ .. ثم إنني أؤكدُ لك , أن مجتمع الحلقات و المكتبات (الشباب) – على ما جربته – لن تجدُ فيه جموداً قاسياً , و لا انفلاتاً مُخزيا , إنما الوسطُ هو الشعار[2] , و الجنّةُ هي الغاية . معاً سوف نشرع في حفظِ آياتٍ و سورٍ من القرآن , و سوف نلعبُ في مستطيلٍ أخضر , و سوف نحضرُ درساً علمياً , ثم نبدأ معاً في مسابقة فُكاهيّة تروّح عن النفوس , و لن نتركك حتى تشاركنا طعام العشاء ! هكذا سنكون معك ..

 

لفتة : أي أُخيّ .. ولو لم يكُن من هذه الحلقات إلا أن تكون عوناً لك على الطاعة , و حِرزاً لك من المعصية , لكفى بها من نعمة , فإن المرء ضعيفٌ بنفسه قويٌّ بإخوانه , وقد فطن لهذا أبونا موسى حين قال الله على لسانه : ” وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا *  إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا ” القصص : 29 – 34  , فكيف بك – يا فاضل – إذا علِمتَ أن ما ستكسبهُ من مجتمع الحلقات أضعافَ ما تظن , فـ لله أقولها .. لقد أفدتُ منهم كل خصلةٍ طيّبة , فـ لله كم هذبوا من خُلُق , و كم صححوا من خطأ , و كم أصلحوا من خلل , و كم رأبوا من صدع .. فاستمسك بغرزهم يا رعاك الله .

 

لفتة : أي أُخيّ .. إيّاكَ أن تظن أن مجتمعَ الحلقة (الشباب) يقومُ على الشدّة و الصرامةِ , أو على الجدِّ و المثاليّة , أبداً أبداً .. بل هو مزيجٌ من الجدّ و الراحة , فمتى حضر الجدّ , كانوا هم الرّجال , و متى ما أقبلتْ مواكبُ الراحة , كانوا في طليعةِ الاستقبال , يلعبون و يضحكون و يمرحون !

 

لفتة : أي أُخيّ .. ثم اعلم أن قُطّاع الطريق , و لصوصَ الدين , يزدادون مع تأخّر الأزمان , و لا يأتي زمانٌ إلا و ما بعدهُ شرُّ منه , ثم يأتي زمانٌ يكون القابضُ فيه على دينه كالقابض على الجمر , حتى إذا تحرّكتْ همّةُ المرء , و سرَتْ في عروقه دماءُ التعقّل , و عزم على اختيار الرفقة الصالحة التي تدله على الخير , و تحفظه من الشرّ , تحرّك اللصوص و قٌطّاعُ الطريق بقضّهم و قضيضهم .. يحذّرونه من مغبّةِ ذلك , و أنه باختياره هذا الطريق , و سلوكه هذا الدرب , قد كتبَ على نفسه أن يكون تعيساً في حياته – و حاشاه – , مُعقّداً في تصرفاته , و أنّه سيودّع حياة الانفلاتِ و الحرّيةِ و الراحةِ , و سيلجُ في حياةٍ تتجذّر فيها معاني الغلظةِ و العبوسِ و الوسوسة و التنطّع – زعموا –[3] . فإيّاك  – أيُّها الحبيب – أن تلتفت إلى هؤلاء اللصوص , فإنما هم دعاةٌ على أبواب جهنّم , أبوا إلا مشابهة أجدادهم الأوائل , حينما التفّوا على أبي طالب في مرضِ موته , و النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه للتلفظ بالشهادة عسى أن تنقذه من النار , فيقولان له : ” أترغبُ عن ملّةِ عبدالمطّلب ؟؟ ” فالكيْسَ الكيْس ![4]

 

لفتة : أي أُخيّ .. ثم إيّاكَ إيّاك .. أن تحكُمَ على تجربةٍ واحدةٍ فشلتَ فيها مع إحدى الحِلَق , ثم تعممها بظلمٍ و إجحافٍ على كلِّ الحِلَق , فالفشلُ في التجربة الأولى , لا يسوّغ لك الإعراض الكلّي , و كم من أناسٍ – عرفتهم – فشلوا في الأولى , ثم أفلحوا في الثانية , و ربما أخفقوا في الأولى و الثانية , ثم نجحوا في الثالثة , و صدّقني .. إذا ذقتَ حلاوتهم فلن تقوى على الفِكاك !!!


[1] ينبغي على المشرفِ أن يبيّن لطلابه أن معنى الاستقامةِ أشمل و أكبر من كونه طقوساً ظاهرية , فالإيمان جسدٌ و روح , أما التركيز على الشكليات , فهذا يدمّر شباب الجيل , و هل أضعف التزام الكثير إلا التركيز على المظاهر و إهمال المخابر !

[2] من المفترض أن يكون المحضن كذلك .

[3] على المربّي الفاضل أن ينبّه طلاّبه أن الاستقامة , و الانخراط في مجتمع الحلق , لا يعني شيئاً من ذلك , بل على العكس تماما , و عليه أن يؤكد هذه المعاني كلما انخرط فردٌ جديد في محضنه , حتى يقطع دابر الشيطان .

[4] الحذر الحذر .

10 thoughts on “اللافتة الأولى”

  1. تنبيه: غير معروف

التعليقات مغلقة.

نُشرت بواسطة

إدارة الموقع

إدارة الموقع

موقع تربوي يقدم تجربته في الحوار والإثراء المعرفي من عالم التطبيقات وعالم الواتساب الصغير إلى عالم المواقع وعالم الإثراء الكبير.