بقلم: بـدر بـاسـعد
badr.bassad@gmail.com
إن المكونات الأساسية كما مرّ معنا في مقالة سابقة ثلاثة : المربي والمتربي والمنهج . وعند الحديث عن أحدهم تنتابني حيرة شديدة أيهما أولى بالحديث المربي أم المتربي أم المنهج ؟. وأجدني أميل إلى تقديم المنهج على المربي والمتربي لأن إعداده بشكل جيد يحدد لنا ماذا نريد من المربي ؟ وماذا نريد من المتربي ؟ ولعل أحدكم يقاطعني ليقول : ولكنك لا تستطيع أن تضع منهجا متميزا دون أن تعرف المتربي ، وقدرات المربي !
وهذا صحيح أيضا !!
ولكنني رغم هذا التعقيد أرى أن أقدم الحديث عن المنهج على العاملين الآخرين. والحديث عن المنهج متشعب فيا ترى أين أطرافه ؟ وما الذي ينبغي أن يعرفه المربي عن المنهج؟
منهجنا هو ( الكتاب والسنة ) ، ولكن لا يمكن إعطاء هذا المنهج دفعة واحدة بل لابد من تقديم بعض جزئياته على غيرها ، وما دامت المسألة فيها تقديم وتأخير فلابد أن يراودنا السؤال الدائم : أي جزئيات المنهج أولى بالتقديم ؟ . وهنا نبدأ نتحدث عن عوامل ، ونعود إلى تقسيمات وتفريعات جديدة وبعضها مبتكر ومن ذلك :
– الأصل في التقديم والتأخير هو حديث بعث معاذ إلى اليمن ، وهذا التدرج يعتمد على قاعدة ( الأولى فالأولى ) .
– ثمة أحيان أخرى لا يمكن أن نطبق هذه القاعدة بسبب ظروف معينة فننتقل إلى قاعدة أخرى اسمها ( الممكن الأولى ، فالممكن الأقل أولوية )
– قاعدة ثالثة اسمها ( لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ) .
– ورابعة اسمها ( حدثوا الناس بما يعقلون ) وخامسة وسادسة وسابعة وقواعد كثيرة أخرى يصعب حصرها ..
فهل هذا هو المنهج الذي نريد ؟ وهل هذا هو المنهج الذي نتحدث عنه ؟
كلا ، فهو وإن كان جزءا من المنهج إلا إننا في هذا المقام نتحدث عن منهج مكتوب معروف يمكن تعليمه ، وتوريثه كما يمكن نقده من أجل تحسينه ، يتيح الفرصة لقياس المستوى المعرفي التربوي بين الطلاب ، ويسمح بمجاراة المتغيرات ، وينظم العملية التربوية بل يحبكها حبكا .فهيا بنا ننتقل خطوات من العشوائية إلى الإحكام ، ومن الفوضى إلى التنظيم والإتقان.
إذا : ما هو المنهج ؟
المنهج هو : مجموع المفاهيم الإسلامية والمهارات الشخصية التي يراد إيصالها إلى شريحة محددة بطريق مباشر أو غير مباشر من أجل إعانة المسلم على تحقيق العبودية لله تعالى بمعناها الشامل.
فالمفهوم الواحد ليس منهجا ، ولكن مجموعة المفاهيم هي المنهج ، والمهارات ليست منهجا ولكنها لازم من لوازم المنهج لا تنفصل عنه ، والشريحة المحددة هي الشريحة المتربية التي يعيش معها المربي سنة كاملة على الأقل ، والغاية من المنهج إعانة المتربي على العبودية لله تعالى بمعناها الشامل الواسع. ويمكن شرح التعريف من خلال النقاط التالية :
أولا : المفاهيم التربوية : هي مفاهيم متوجهة أساسا إلى إصلاح ( القلوب ) التي إن صلحت صلح عليها سائر الجسد . إنها مفاهيم مستقاة من الشريعة تصبغ المرء بصبغة ربانية ومن أحسن صبغة من الله . وأرى أن أشمل كتاب في جانب المفاهيم التربوية هو كتاب التربية على منهج أهل السنة والجماعة لأحمد فريد ، كما يوجد كتاب رائع للشيخ محمد أمين المصري بعنوان ( معالم الإنطلاقة عند أهل السنة والجماعة ) .
إن المفهوم التربوي ليس هو أن تعلم المتربي ( أداء الصلاة ) ولكن المفهوم التربوي هو أن تعلمه ( الخشوع الباعث على أداء الصلاة ) و ( الإخبات الجالب لمحبة الله ) و الخوف والرجاء والمحبة والانقياد والقبول والإخلاص والصدق … وغيرها من أعمال القلوب التي تؤثر في سلوك المرء فتدفعه إلى العمل الصالح . ولست أعني أن تهمل تعليم أحكام الصلاة. كلا ، بل أعني ألا تخلط بين معنى ( المفهوم التربوي ) و ( السلوك التربوي ) فإن السلوك التربوي علامة ومعيار على وصول المفهوم التربوي . وكم من المربين يخلط بين المفهوم والسلوك عند تقييم العمل التربوي . فعادة ما يستعرض بوجهٍ فرح كمية البرامج المقامة وأسماء الطلاب المتميزين في الأداء عند تقييم العمل التربوي وما هو بذاك !
إن تقييم العمل التربوي لا يخضع لذكر البرامج ولكن لذكر التغييرات التي حصلت لهذا المتربي ، وإن كان لابد من ذكر البرامج فلا يمكن أن تذكر البرامج لتقييم العمل التربوي إلا من خلال ذكر ( الهدف التربوي ) الذي وضعت من خلاله . كأن تقول : لاحظنا عند الطلاب تقصير في أداء الصلاة فأقمنا معرضا عن الصلاة وأهميتها واشترطنا أن يقيمه الطلاب بأنفسهم لأنه أدعى للتأثر والشعور بالتقصير .. وقد لاحظنا فعلا تحسن في أدائهم للصلاة … هكذا يكون العرض التربوي للبرامج لا الاستكثار الذي يفرح به الكثيرون !
ثانيا : طريقة إيصال الفكرة أو المهارة وتتعدد هذه الطرق لتصل إلى 3 طرق رئيسية وهي :
– القول : كالمحاضرات ، والندوات ، والنصيحة الفردية .
– الفعل : إما أن يكون بتمثل القدوة وهذه طريقة غير مباشرة أو يكون بطريق مباشر من خلال تعليمه بالحركات كتعليمه صفة الوضوء والصلاة .
– المنهج الخفي : ويُعنى بالمنهـج الخفي – ويسمى أحياناً المنهج المستتر أو الكامن – كل ما يمكن تعلُّمه في المؤسسة التربوية من تعلُّم غير مقصود وغير موجود في المنهج الرسمي ، وقد كتب فيه الشيخ محمد الدويش مقالة في مجلة البيان.
ثالثا : الشريحة المحددة :
عند الحديث عن المزج بين المفهوم والمتربي نحتاج إلى الانتقال من النظر المثالي إلى النظر الواقعي .. أي أننا بحاجة ضرورية إلى إعادة النظر في المفاهيم والمهارات لتتلاءم مع الشريحة التي نتعامل معها . ولتحقيق هذه النقلة نحتاج إلى أكثر من تقسيم لهذه الشريحة . أولا : التقسيم باعتبار العموم والخصوص .. إلى ( تقسيم عام ) : وهي خطة سنوية للمفاهيم والمهارات التي سوف تطرح على جميع الأفراد . و( تقسيم خاص ) : وهي خطة سنوية خاصة ببعض أفراد الوسط الذين يتم اختيارهم بحسب : مواهبهم وقدراتهم ، مجهودهم في العمل التربوي. بعد هذا التقسيم يحتاج المربي أن يجلس مع إخوانه وقد أحضر جدول المهارات وجدول المفاهيم الذي رضي عن محتواهما ليقوم بتقسيمها على مدار العام بحسب حاجة الوسط لهذا المفهوم أو ذاك .. كما هو موضح في كتاب ( تربية الشباب ) للشيخ : محمد الدويش . المدرس في المدرسة يحتاج هذا التقسيم بشدة لأنه يعينه على تحضير بعض المعلومات أو المهارات أو الأنشطة من أجل الطلاب المتفوقين تساعدهم على الإبداع والشعور بمواهبهم المتنوعة وتحقق لهم المزيد من الإطلاع على مصادر المعرفة.
وختاما ، أرجو أن تكون الصورة أوضح الآن ، وإلى لقاء قريب في موضوع جديد.
التعليقات مغلقة.
جزاك الله خيرا.
متابع
ليس فقط لأن أسلوب الكاتب ممتع
بل لأنني من كتاباته أستفيد كذلك
وفقت أبا عيسى
ونفع الله بك
ابراهيم .. أشكر لك مرورك
أبو عبيدة ..
أمّا إن أسلوبي ممتع !!
شكرا لمرورك .. وأترقب ملاحظاتك على المقال .
بارك الله لك و رزقك الإخلاص فى القول و العمل
حبيبنا ليتك تتحفنا بالحديث عن باقي مكونات الوسط التربوي //
المربي ، والمتربي