روي أن الإمام الشافعي رحمه الله لما جلس بين يدي إمام دار الهجرة الإمام مالك رحمه الله ورأى عليه مخايل النجابة والذكاء بادية، وأعجبه وفورُ عقله وكمال حفظه قال له ناصحا: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية , لذا فقد قال الشافعي :
شَكَوتُ إِلى وَكيعٍ سوءَ حِفظي * * * فَأَرشَدَني إِلى تَركِ المَعاصي
وَأَخبَرَني بِأَنَّ العِلمَ نورٌ * * * وَنورُ اللَهِ لا يُهدى لِعاصي
قال ابن القيم :
حُبُّ الكتابِ وحبُّ ألحانِ الغناء * * * في قلبِ عبدٍ ليس يجتمعان
قال سبحانه وبحمده : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النحل:112]. عَنْ ثَوْبَانَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:لاَ يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلاَّ الْبِرُّ ، وَلاَ يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلاَّ الدُّعَاءُ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ. أخرجه أحمد 5/277(22745) و”ابن ماجة” 90 و4022.
قال الإمام الشافعي :
إذا كنت في نعمةٍ فارعَها * * * فإن المعاصي تُزيلُ النّعم
وحُطها بطاعةِ ربِّ العباد * * * فَرَبُّ العبادِ سريعُ النِّقَم
ومن عواقب المعصية:
5 – دخول النار وغضب الجبار:
قال سبحانه : بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) سورة البقرة . وقال سبحانه :” يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) سورة آل عمران . عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ وَالدَّيُّوثُ وَثَلاَثَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى. أَخْرَجَهُ أحمد 2/134(6180) و”النَّسائي” 5/80 ، وفي (الكبرى ) 2354.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلاَةِ يَمْنَعُهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ ، وَرَجُلٌ بَايَعَ الإِمَامَ لاَ يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِدُنْيَا ، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفَى لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ ، قَالَ : وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلاً سِلْعَةً بَعْدَ الْعَصْرِ ، فَحَلَفَ لَهُ بِاللهِ لأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ. أخرجه أحمد 2/253(7435) و”البُخاري” 2358 “مسلم” 212.
قال الشاعِر:وإذا خلوتَ بِريبةٍ في ظُلْمَةٍ * * * والنَّفْسُ داعيةٌ إلى الطُغْيانِ
فاستحي من نظرِ الإلهِ * * * وقُلْ لها إنَّ الذي خلقَ الظلامَ يَرَاني
وجاء رجل إلى إبراهيم بن أدهم يقول: إن نفسي تراودني المعصية ولا أستطيع كبح جماحها، فماذا أفعل؟ قال: إذا وفيت بخمس فاعص الله ما شئت، قال: وما هي؟ قال: بإذا أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزقه، ولا تنم في أرضه، ولا تعصه أمام عينيه قال: وكيف يكون هذا؟ وكل ما في الأرض لله والأرض ملكه، والسماء سماؤه، وفي أي ركن أكون منها، فالله تعالى يعلم السر وأخفى! قال: أما تستحي أن تأكل من رزقه وتنام على أرضه وتعصه أمام عينيه؟ قال: إذا أردت أن تعصي الله وجاءك ملك الموت فلا تذهب معه أو جاءتك زبانية العذاب فلا تذهب معهم، قال: وكيف يكون هذا؟: إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، قال: فإذا علمت قدر نفسك، لا تستطيع أن ترد ملك الموت، أو زبانية العذاب فلم تعصه؟ فكانت توبة بعد ذلك نصوحا.
قال أحمد بن أبي الجواري : كنت يوماً جالساً على غرفة فإذا جارية صغيرة تقرع الباب فقلت : من بالباب؟ فقالت : جارية تسترشد الطريق فقلت : طريق النجاة أم طريق الهرب فقالت : يا بطال اسكت فهل للهرب طريق وأينما يهرب العبد فهو في قبضة مولاه فعلى العاقل أن يهرب في الدنيا إلى خير مكان حتى يتخلص في الآخرة من شر مكان وخير مكان في الدنيا هو المساجد ومجالس العلوم النافعة فإن فيها النفحات الإلهية. قال الحسن : كل يوم لا تعصي الله فهو لك عيد جاء بعضهم إلى بعض العارفين فسلم عليه و قال له : أريد أن أكلمك فقال : اليوم لنا عيد فتركه ثم جاء يوما آخر فقال له مثل ذلك ثم جاء يوما آخر فقال له مثل ذلك فقال له : ما أكثر أعيادك قال : يا بطال أما علمت أن كل يوم لا تعصي الله فيه فهو لنا عيد. لطائف المعارف 314.
قال ابن الجوزي : ” إلى متى تميل إلى الزخارف، وإلى كم ترغب لسماع الملاهي المعازف، أما آن لك أن تصحب سيداً عارف، قد قطع الخوف قلبه، وهو على علمه كاكف، يقطع ليله قياماً، ونهاره صياماً، لا يميل ولا آنف، دائم الحزن، والبكاء متفرغٌ له، ومنه خائف، ومع ذلك يخشى القطيعة والانتقال إلى صعب المتالف، وأنت في غمرة هواك وعلى حب دنياك واقف، كأني بك وقد هجم عليك الحمام العاسف، وافترسك من بين خليلك وصديقك المؤالف، وتخلَّلى عنك حبيبك وقريبك ومن كنت عليه عاطف، لا سيتطيعون رَدَّ ما نزل بك، ولا تجد له كاشف، وقد نزلت بفناء من له الرحمة والإحسان واللطائف، فلو عاتبك لكان عتبه على نفسك من أخوف المخاوف، وإن ناقشك في الحساب، فأنت تألف، أين مقامك من مقام الأبطال يا بطال، يا كثير الزلل والخطايا، يا قبيح الفعال، كيف قنعت لنفسك بخساسة الدون يا معنون، وغرتك أمانيك بحب الدنيا يا مفتون، هلا تعرضت لأوصاف الصدق فاستحليت بها القالب الحق: (التَّائِبُونَ العَابِدُونَ الحَامِدُونَ) إلى متى أنت مريض بالزكام؟ ومتى تستنشق ريح قميص يوسف عليه السلام يا غلام؟ لعله يرفع عن بصيرتك حجاب العمى، وتقف متذللاً على باب إله الأرض والسماء، خرج قميص يوسف مع يهوذا من مصر إلى كنعان، فلا أهل القافلة علموا بريحه، ولا حامل القميص علم، وإنما قال صاحب الوجد: (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ)، كل واحد منكم في فقد قلبه كيعقوب في فقد يوسف، فلينصب نفسه في مقام يعقوب، ويتحسر وليبك على ما سلف، ولا ييأَس، كيف طريق التحسس قطع مرحل الليل وركوب نجائب العزم إنضاء بعير الجسم ومصاحبة رفقة الندم والمستغفرين بالأسحار0المواعظ 15.
وقال : ” يا بطال، إلى كم تؤخر التوبة وما أنت في التأخير بمعذور؟ إلى متى يقال عنك: مفتون ومغرور؟ يا مسكين، قد انقضت أشهر الخير وأنت تعد الشهور؟ أترى مقبول أنت أم مطرود؟ أترى مواصل أنت أم مهجور؟ أترى تركب النجب1 غدا أم أنت على وجهك مجرور؟ أترى من أهل الجحيم أنت أم من أرباب النعيم والقصور. فاز، والله، المخفون، وخسر هنالك المبطلون، إلا إلى الله تصير الأمور. بحر الدموع 39.
روى ابن الجوزي في تلبيس إبليس ( ص 240 ) بسنده عن أبي حامد الخلقاني أنه قال : قلت لأحمد بن حنبل : يا أبا عبد الله هذه القصائد الرقاق التي في ذكر الجنة والنار أي شيء تقول فيها ؟ فقال : مثل أي شيء ؟ قلت : يقولون :
إذا ما قال لي ربي *** أما استحييت تعصيني ؟
وتخفي الذنب من خلقي *** وبالعصيان تأتيني
فما قولى له لما * * * يعاتبنى ويقصينى ؟
فقال : أعد علي فأعدت عليه فقام ودخل بيته ورد الباب فسمعت نحيبه من داخل البيت.
في الحديث القدسي: ” أحب ثلاثة وحُبِّي لثلاثة أشدُّ : أحب الفقير المتواضع، وحُبِّي للغني المتواضع أشد ,وأحب الغنيِّ الكريم وحُبِّي للفقير الكريم أشدّ، وأحب الشيخ الطائع وحبي للشاب الطائع أشدُّ . وأكره ثلاثة وكُرْهي لثلاثة أشد: أكره الغني المتكبر، وكُرْهي للفقير المتكبر أشدّ، وأكره الفقير البخيل، وكُرْهي للغني البخيل أشد، وأكره الشاب العاصي وكرهي للشيخ العاصي أشد “.
فهل يا ترى يعود الحال بشبابنا إلى قول القائل فيهم :
عباد ليل إذا جن الظلام بهم * * * كم عابدٍ دمعُه في الخد أجراه
وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم* * * هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفرًا* * * يشيدون لنا مجدًا أضعناه
اللهم ارزقنا خشيتك في السر والعلن وحل بيننا وبين معاصيك ، اللهم نور قلوبنا بنور الإيمان وقوي إيماننا بمخافتك والحياء منك. اللهم إنا نعوذ بك من قلب لايخشع وعين لا تدمع ولسانٍ لا يذكر ونفسٍ لا تشبع. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.