جُملةٌ من الشباب الملتحقين بالحلقات و المحاضن التربوية, لا يعونَ و لا يُدرِكون .. لمَ هُم منخرطين في هذه الحلقات , بل كثيرٌ منهم يرى أنه كما انضمَّ إليهم قَدَراً , فإنه سيمضي معهم هكذا كما اتفق , لا يريد أن يعيَ أن وجوده في هذا المجتمع النقيّ , له أهدافٌ و أبعادٌ من المفترض أن تكون في ذهنه منذ خطواته الأولى .
لفتة : أخي طالب الحلقة .. إنني أعتبُ على مُشرِفكَ حين لم يُخبرك عمّا يريده منك بدخولك في هذه الحلقة المباركة , لكنّ العتبَ عليْك أشدّ , و اللّوم في حقك أعظم , ذلك أن من تمام العقلِ أن لا تدخل في أيِّ أمرٍ إلا بعد أن تعرف عواقبه , و تتعرفَ على النتائج و الثمرات التي ترتجيها بدخولك في ذلك الأمر , هذه و الله هي الحكمة !
لفتة : اعلم أننا ننهاك عن الجمودِ و الانكفاء , و لا ندعوك إلى التفلّتِ و التهريج , بل كُن وسطاً عدلا , ذا منهجٍ نبويّ , و ذلك أن تكون في مواطن الجدّ و الحزم كـ عُمرَ بن الخطاب – رضي الله عنه – الذي كان يبكي من خشية الله حتى أثّر ذلك في وجهه , فكان فيه خطّان أسودان من أثرِ الدموع , و أن تكون في مواطن الترويح و الترفيه , كما كان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – حين يضحك حتى يستلقي على قفاه من شدّة الضحك .
لفتة : إننا – أيُّها الصاحب – نُريدُ منك أن تجمع بين جنبيك كلَّ خِصلةٍ حميدة , و كل سجيّةٍ حسنة , و كلَّ صفةٍ ترتقي بك إلى معارجِ الكمال , فإن كنتَ مُطالباً بذلك من قبل , فإنك اليومَ مطالبٌ بشكلٍ أشدّ , ذلك أنّك اليومَ تنتسبُ إلى مجامع الخير , و حِلَق التحفيظ , فالحَدَقةُ تتسع عليك , و العيون ترقبك , ترى فيك قدوةً رائعة , و شمساً مشرقة , فكن أهلاً لذلك , و إيّاك أن تُؤتى الحلقات مِنْ قِبَلِك .
لفتة : إننا – أيُّها الصاحب – نُريدُ منك أن تلتزمَ هديَ محمدٍ – صلى الله عليه و سلم – في كلِّ شأنك , لا سيّما في أمر دينك , فجاهد نفسك في بدايةِ الأمر أن تُقلعَ عن كلِّ معصية , و أن تتمسك بكلِّ قربةٍ و طاعة , و إيّاك أن ترمي نفسك بالنفاق لأنك لم تستطع أن تقلع عن إحدى المعاصي , فهذا من مداخل الشيطان على بني آدم , بل قل سأجاهدُ نفسي , فإن مجاهدة النفس مرتبةٌ عظيمة قلّ من يصلُ إليها , و الله – عز وجل – وعد من جاهد نفسه أن يهديه و يدلّه على السبيل القويم , فقال : ” وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ” . العنكبوت : 69
لفتة : ثم اعلم – أيُّها الصاحب – .. أن طلاّب الحلقات يقعون في كثيرٍ من الأخطاء , لكن من أكثرِ الأخطاء التي يقعون فيها : إسبال الثياب , و إطلاق الألسنة غيبةً و نميمة , و التطاول على الكبير , و الإعراض عن الصغير , و إهمال السنن , و إضاعة الوتر , و نسيان الأذكار , و الغفلة عن التناصح و هي آكدُ الأمور , إذ لو تناصحنا , و عملنا بمقتضى النصيحة , لزال الكثير من الإشكالات .
لفتة : إننا نريدُ منك – أيها الصاحب – أن تلبسَ أخلاقَ الكبار , و أن تتحلى بصفاتهم في كلِّ تعاملاتك , و إيّاك أن تفصل بين شخصيتك في الحلقة , و بين شخصيتك في أيّ مكان آخر , و لتكن بشوشاً , دمث الخلق , حلو اللسان , لطيف المعشر , ليّن العريكة , سواءً كنتَ في الحلقةِ , أو في البيت , أو في الفصل , أو في الشارع , أو في أيّ مكان , و سواءً كان ذلك مع أهلك , أو مشرفيك , أو مدرسيك , أو إخوانك من الطلاب !
لفتة : ثم إيّاكَ و الزُّهدَ الكاذب , و التقشُّف البارد , الذي هو أبعدُ ما يكون عن الدين , من إهمال المظهر , و تشويه المنظر , و البعد عن العناية بالشكلِّ الخارجي , فهذا بلاءٌ حلّ بالكثير من الناسِ بما فيهم شبابُ الحِلَق , فاعتنِ بهندامك من ثوبٍ و غترة , و احرص على الرائحة الطيبة , و لا تهمل نظافة جسدك , فطالبُ الحلقة يجمع بين أصالة المخبر , و جمال المظهر , فلا إفراط و لا تفريط .
لفتة : و من ثُمّ يا صاحبي , فإننا نُريدُ منك أن تكون مُطّلعاً نهِماً في شتّى جوانب المعرفة , بالقدر الذي تستطيع , نُريدُ منك أن تقرأ في سائرِ العلوم , حتى إذا رأيتَ في نفسكَ ميْلاً شديداً إلى فنٍّ من الفنون , فأدمن القراءة فيه , و أكثر من الإطّلاع على ما صُنّفَ فيه , فليس من الرشاد أن تتخلفَ عن ركاب المثقّفين , و عيبٌ – والله – أن لا تكون قادراً على كتابةِ مقالةٍ , أو ارتجال كلمةٍ بسبب الجفاف المعرفيّ فـ :
قد رشحوك لأمرٍ لو فطنتَ له ++ فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ
و صدّقني .. إنني أجدُ فرقاً شاسعاً بين من يقرأ و من لا يقرأ , و التمييز بينهما لا يحتاجُ إلى جُهد , و شتان شتان بينهما .. و صدق الله إذ قال : ” قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ” . الزمر : 9
لفتة : إن الهدف من وجودك – أخي الطالب – في هذا المجتمع أقصد مجتمع الحلق – لهو أكبر من برنامجٍ يُقام , أو مسابقةٍ تُثار , أو كرةٍ تتطاير . فهذه الأمور .. إنما هي وسائل تقودُ إلى الأهداف , و مناراتٌ تمضي بك نحو الغايات ..
دَواؤُكَ فيكَ وَما تُبصِرُ ++ وَدَاؤُكَ مِنكَ وَما تَشعُرُ
أَتَزعُمُ أَنَّكَ جُرمٌ صَغير ++ وَفيكَ اِنطَوى العالَمُ الأَكبَرُ
فَأَنتَ الكِتابُ المُبينُ الَّذي ++ بِأَحرُفِهِ يَظهَرُ المُضَمَرُ
وَما حاجَةٌ لَكَ مِن خارِجٍ ++ وَفِكرُكَ فيكَ وَما تُصدِرُ
لفتة : إننا نؤمّل فيك , و نأمل منك , أن تكون أداةً صالحة , يقتدي بك بقيّةُ أفرادِ الحلقة, إذ يرون فيك أهلاً للإقتداء, حتى إذا ترقّيتَ في سلّمِ الحلقةِ , و غدوتَ مشرفاً في يومٍ ما , استلمت أنت الراية , و رفعتَ اللواء , و أكملتَ ما ابتدأه مشرفوك من قبل , و مضيت من حيث انتهوا , فزرعت في قلبِ من تحتك حبَّ الله , و حبَّ رسوله – صلى الله عليه و سلم – , و حُبَّ هذا الدين , و حُبَّ هذه الأمّةِ العظيمة , فهذا و الله عين الوفاء !
لفتة : و اعلم يا أخي .. أن الأمر لم ينتهِ بعد ! فإنّ كلَّ ما يقدمه لك مشرفوك من البرامج و اللقاءات , لا يريدون به الترويح عنك فحسب , إنّهم يريدون منك أن تكون رجلاً إيجابياً في هذه الأمّةِ العظيمة , تُقدّم لها ما ينفعها , تجودُ لها بكل ما تملك , تدفعها بكلِّ قوّتك إلى الأمام , تُسهِمُ في رُقيّها و تقدمها و شموخها على بقيّةِ الأمم , و اعلم أنه بقدر تأثيرك في الحلقة .. سيكون تأثيرك في هذه الأمة ! و بقدر الهموم تكون الهمم ! و لا أقلَّ من أن تكون مؤثراً في مجتمعك الصغير , سواءً على مستوى البيت , أو على مستوى العائلة , أو على مستوى المنطقة !