أسس البناء التربوي الدعوي – 2

 

لا شك أن العقيدة الإسلامية الصحيحة تستمد صحتها وسلامتها من أصلين واضحين مباركين هما : كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , وهما أساسان مهمان للبناء التربوي الدعوي السليم , فالأعمال في الإسلام من عبادات ومعاملات لا تقبل عند الله تعالى إلا بشرطين أساسيين هما: أن تكون خالصة لله تعالى لا رياء فيها ولا سمعة , وأن تكون وفق ما شرع الله تعالى  , وليس وفق هوى النفس , قال تعالى : ” أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) سورة الجاثية .

 

والمقصود بموافقة شرع الله تعالى أن تكون على هدي من الكتاب والسنة ,فهما الطريق الأمثل إلى النجاة والصلاح والفلاح ,عن مالك بن أنس مرسلا قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ” تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنة رسوله ” . رواه في الموطأ ” مشكاة المصابيح 1/40.

 

ولقد ربط الله في كتابه الكريم بين طاعته سبحانه وبين طاعة نبيه صلى الله عليه وسلم برباط وثيق فقال سبحانه : ” مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80) سورة النساء .

 

لذا فإنه يجب على كل من يتصدى للدعوة إلى الله تعالى أن يلتزم بالقرآن والسنة الصحيحة، فهما كالجناحين للطائر إذا انكسر أحدهما لم يطر, وهما الصراط المستقيم الذي يجب أن لا نحيد عنه , قال تعالى :” وَأَنّ هََذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتّبِعُوهُ وَلاَ تَتّبِعُواْ السّبُلَ فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ( 153) سورة الأنعام .

وقال تعالى : ” إِنّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوَاْ إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( 51) سورة  النور .

 

ولقد حذرنا الله تعالى من مخالفة هذا النهج فقال : ” فَلْيَحْذَرِ الّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم ( 63) سورة النور .

عن العرباض بن سارية قال : “صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا ، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ ، فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا ؟ فَقَالَ : أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي ، فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي ، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ ، تَمَسَّكُوا بِهَا ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ. رواه أحمد برقم 16692 و أبو داود 4607 صححه الألباني في السلسلة 937.

 

وإن من أشد المعوقات التي تعوق حركة الداعية انتشار البدع والخرافات وسيطرتها على عقول بعض الناس , وجعلها ديناً يضاهون به كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , ولهذا قال بعض السلف: “ما ابتدع قوم بدعة إلا أضاعوا من السنة مثلها أو أشد”  شرح رياض الصالحين , لابن العثيمين 1/194.

 

وذلك لأن البدع تؤدي إلى نسيان السنن واضمحلالها بين الأمة الإسلامية. ولذلك كان المسلمون يخشون البدع، ويخشون الوقوع فيها، ويَحذَرُونَها ويحذِّرون المسلمين منها، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (إياكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا بالرأي، فَضَلُّوا وَأَضلُّوا) وقال رضي الله عنه: (الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة). راجع : الهروي : ذم الكلام وأهله 2/104.

 

 وقال سفيان الثوري: “البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يثاب منها، والبدعة لا يثاب منها”. تفسير القرطبي 7/141

 

قال ابن أبي داود السجستاني :

تمسك بحبلِ الله وأتبعِ الهُدى * * * ولا تكُ بدعيا لعلك تُفلحُ

ودنْ بكتابِ الله والسننِ التي *** أتت عنْ رسول الله تنجو وتربحُ

 

ومن هنا فإنه يجب على المسلم على وجه العموم وعلى من يتواجد في ميدان الدعوة على وجه الخصوص أن يحرص كل الحرص على الارتباط بكتاب الله تعالى قراءةً وحفظًا وفهمًا وعملا به، فإن القرآن هو حبل الله المتين ، وهو أساس العلوم وأساس الدعوة إلى الله تعالى , وكذا الارتباط بالسنة الصحيحة؛ فهي ثاني المصدرين للشريعة الإسلامية، وهي الموضحة للقرآن الكريم.

 

فمن خلالها تتضح معالم الطريق ويعرف المرء كيف يحدد هدفه الصحيح الذي يسير عليه, فتحديد الهدف من أهم أسس البناء التربوي الدعوي السليم .

وهو ما سنعيش معه بمشيئة الله تعالى في المقال القادم .

 

نُشرت بواسطة

إدارة الموقع

إدارة الموقع

موقع تربوي يقدم تجربته في الحوار والإثراء المعرفي من عالم التطبيقات وعالم الواتساب الصغير إلى عالم المواقع وعالم الإثراء الكبير.