14- فن الإنصات والاستماع .. وهذا الفن هو فن القائد الناجح , والمربي البارع إذ به يفهم النفوس , ويُترجم المفاهيم , ويعي المطلوب , ونذكر موقف عتبة حين أتى النبي –صلى الله عليه وسلم –ليُحاجه فتكلم عتبة حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يستمع منه قال:” أفرغت يا أبا الوليد ? ” قال : نعم . قال : ” فاستمع مني ” وأكمل النبي حديثه كما في الحديث المعروف , وهنا نجد أدب النبي الجم في استماعه , وندائه خصمه بأحب الأسماء .
15- المشاركة في المهمات ..و من أبرز خصال المربي أن يشارك أصحابه الأعمال , وتنفيذ المشروعات , والمهام الميدانية , و في غزوة الخندق تمّ تقسيم المسؤولية بين الصحابة بحيث تولّى كل عشرةٍ منهم حفر أربعين ذراعاً ، ثم بدأو العمل بهمّة وعزيمة على الرغم من برودة الجوّ وقلة الطعام ، وزاد من حماسهم مشاركة الرسول – صلى الله عليه وسلم – في الحفر ونقل التراب .
وكان الصحابة رضوان الله عليهم يقضون الأوقات بترديد الأشعار المختلفة ، والنبي – صلى الله عليه وسلم – يشاركهم في ذلك ، فكانوا يقولون :
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبداً
وهو يجيبهم بقوله :
اللهم إن العيش عيش الآخرة ، فاغفر للأنصار والمهاجرة
وكان – صلى الله عليه وسلم – يردّد أبيات عبدالله بن أبي رواحة رضي الله عنه :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا وثبّت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا
ومن هذا النموذج تبرز هذه الخصلة في روح المصطفى-صلى الله عليه وسلم-,والتي سارت بها الركبان في حديثهم عن تواضعه , و مشاركته أصحابه همومهم , وأعمالهم .
16- العفو والصفح .. المربي القدوة يجد من معه سعة في صدره , وبستان ملؤه الحب , وحسن الظن , والعفو , إنهم لا يجدون نداً لهم في خصوماتهم , ومشاكساتهم , وزلاتهم إنه يرون قول الله تعالى “خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ”(199) الأعراف. متمثلاً في قدوتهم ومعلمهم , و يدل على ذلك من السنة قول جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم ” إن الله يأمركَ أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك” , و عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذة شديدة قال أنس فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء . هذا هو العفو والصفح الجميل إذ يسلم الخصم من السباب والشتم والنبز و المنة , وقد حظي بالحلم والعقل من كان هذا مذهبه .
17- الاعتذار لمن من له حق .. وفي ذلك تظهر خصلة الشجاعة , والصدق فيما يدعو له المربي , وهو اعتذاره ورجوعه عن الخطأ فيما لو حصل ذلك , وإن النفس البشرية غير معصومة , وهي معرضة للزيغ والخطل الشيء الكثير , لذا من المستحيل أن يعيش المتربي مع مربيه دون أن يسيء المربي , أو يخطئ , أو يجور أحياناً , ولكن هذه الاستحالة تتصاغر حينما تجد مربياً ربانياً , قليل خطأه , سريع صادق اعتذاره , ونتذكر موقف النبي في غزوة بدر حين أخذ يُعدل الصفوف بقدح في يده فضرب بطن سواد بن غزية وقال: (استو يا سواد) فقال سواد: يا رسول الله, أوجعتني, فأقدني , فكشف عن بطنه وقال: (استقد) فاعتنقه سواد, وقبّل بطنه, فقال: (ما حملك على هذا يا سواد؟) قال: يا رسول الله , قد حضر ما ترى , فأردت أن يكون آخر العهد بك ، أن يمس جلدي جلدك , فدعا له رسول الله بخير.
18- الاعتراف بحقوق وجميل الآخر , مهما صغر حقه تجاهك , وكبر حقك عليه .. واتضح ذلك جلياً حين وجدوا الأنصار في نفوسهم شيئاً من رسول الله في قسمته , فدعاهم وخطب فيهم , وكان مما ذكر خطبته :” …والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدقتم : جئتنا طريداً فآويناك ، وعائلا فآسيناك ، وخائفاً فأمناك ، ومخذولا فنصرناك ” فقالوا : المن لله ولرسوله …”.
19- المزاح اللطيف , والدعابة المرحة ..والمزاح والدعابة (اللطيفة) من طبيعتها تحبها النفوس , وتسعد الخواطر , وإن ضاقت , ومن آثارها المحمودة أنها تهيء النفس لاستقبال أي شيء , وتجعل هناك دفقاً من المشاعر المطمئنة تجاه صاحبها لاسيما إذا خلت من التفحش , والمبالغة , والقدح في الذوات , وهذا من خُلق المصطفى فعن رَجُلٍ مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لَهُ : زَاهِرُ بْنُ حَرَامٍ , قَالَ : وَكَانَ رَجُلا بَدَوِيًّا ، وَكَانَ لا يَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ إِلا بِطُرْفَةٍ أَوْ هَدِيَّةٍ يُهْدِيهَا لَهُ , فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ يَبِيعُ سِلْعَةً ، وَلَمْ يَكُنْ أَتَاهُ ، فَأَتَاهُ فَاحْتَضَنَهُ مِنْ وَرَاءِ كَتِفِهِ ، فَالْتَفَتَ وَأَبْصَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَبَّلَ كَفَّيْهِ ، وَقَالَ : ” مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ ؟ ” , قَالَ : إِذًا تَجِدُنِي كَاسِدًا , قَالَ : ” وَلَكِنَّكَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رَبِيحٌ ” .فحري بالمربي أن يكن ذا نفس مرحة تمتلك روح الدعابة , وهو يتعبد الله بذاك إن أخلص النية .
20- الدعاء .. وهو من أجل الأعمال , وأفضل الهبات , وإذ لا يمنع أن يكون ذلك ظاهراً للمتربي , وإن أخفاه فلا شك أنه أرجى , و قد رُوي عن ابن عباس –رضي الله عنه- أنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بيت ميمونة، قال: فوضعت له وضوءً من الليل، فقالت ميمونة: يا رسول الله وضع لك هذا ابن عباس، فقال: ( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) .
أخيراً إن للمربي ما يربو على ذلك بأن يكون قريباً إلى قلوب الناس , وأن يرقى في أفئدتهم علياً , وذلك أن يكون حبيباً عند الله فيُحبه الله فيحبه أهل السماء , فيحبه أهل الأرض . وإن ما سبق ذكره وسائل نبوية , وإرشادات محمدية لا غنى للداعية المربي عنها , وعن غيرها الإطلاع عليها , ومن ثم ترجمتها واقعياً في الناس , وهي بمثابة الإشارات , وإلا ففي جُعب السنة النبوية ما هو أكثر من ذلك , ولكن حسب الفطن الحر إشارة تهديه الطريق .. أسأل الله أن يوفقنا لكل خير , وأن يطرح لنا القبول في خلقه , ويجعلنا مباركين أينما كنا .
Thabit66@gmail.com
التعليقات مغلقة.
جزاك الله تعالى كل خيرا أخي سعيد ..
فعلا هي مفاتيح للقلوب .. ولكن ماذا بعد فتح القلوب ؟!