:: سلسلة استراتيجيات دعوية ::
(خطوات عملية لإنشاء المشاريع الدعوية الصغيرة والمتوسطة)
بقلم: ريان جميل محمد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وبعد:
فإن العمل الدعوي والصحوة الإسلامية بحاجة ماسة إلى دراسات عميقة و جادة، تتناول قضاياها الدعوية والتربوية، سواء فيما يتعلق بمعرفة جوانب الخلل والقصور وتقويم واقعها، أو فيما يتعلق بجوانب القوة و التميز؛ من أجل تقويتها والمحافظة عليها. ولعل من أهم القضايا التي لم توليها الصحوة المباركة ذلك الاهتمام الكبير قضية المشاريع الدعوية المتوسطة والصغيرة، من حيث الدراسة الإدارية والميدانية أو من حيث وضع الطرق العلمية لدراسة الجدوى من هذه المشاريع الدعوية.
إن في انتشار هذه الثقافة – أعني ثقافة المشاريع الدعوية المتوسطة والصغيرة- أثراًبالغاً في ثراء العمل الدعوي وتنوعه، بل إن انتشارها سيضمن – بإذن الله – اتساع رقعة العمل الدعوي وتمدده في مجالات وأصعدة كثيرة. فالمشاريع الدعوية الصغيرة أو المتوسطة بمثابة الانتشار الأفقي للدعوة، أما المشاريع الكبيرة والضخمة فهي بمثابة الانتشار العمودي، ومعلومٌ أن الانتشار الدعوي الأفقي في هذه المرحلة مهم جدًا؛ لتغطية الكثير والكثير من الثغرات الموجودة في هذا البنيان الدعوي الضخم، كما أنه سيبعد العمل الدعوي عن الكثير من الإشكاليات والظواهر السلبية التي يعاني منها.
وبما أننا – للأسف – لا نملك – فيما أعلم – إحصائيات واضحة، ودقيقة تبين عدد العاملين في المشاريع الدعوية القائمة حالياً؛ فإنه يمكنني القول بأن المشاريع الدعوية الصغيرة هي تلك التي يعمل فيها أقل من عشرة أشخاص، أما المشاريع المتوسطة فيعمل فيها ما بين عشرة أشخاص إلى خمسين شخصاً تقريباً.
ولهذه المشاريع الدعوية أهمية تتلخص في هذه الميزات التي تتفوق بها على معظم المشاريع الدعوية الكبيرة، و منها:
– أنها تعتمد – عادة – على وسائل وتقنيات قليلة وبسيطة يسهل توفرها، في حين أن اعتمادها الكبير والرئيس على القوى البشرية، وهذا – بطبيعة الحال – سيسهم في تفعيل الطاقات البشرية الخاملة، وتقليل نسبة (البطالة الدعوية) التي يعاني العمل الدعوي منها، فما أكثر الشباب الخيَر المتكدس (خريجي وخريجات الكليات الشرعية، شباب المحاضن التربوية، طلاب وطالبات الحلقات القرآنية.. وغير ذلك) والذي أصبح عبئاً ثقيلا على كاهل الدعوة، فلا هو استفاد من بعضهم، ولا هو سلم من محاكمة وتنقص البعض الآخر!
– أنها لا تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة، فعامل نجاحها الأساسي هو القوى البشرية.
– أن انتشارها سيسهم في توسيع المظلة الدعوية وتمدد ظلها وانتشاره، بل وزيادة عدد المنضوين تحت هذه المظلة.
– أن انتشار هذه الثقافة سيساعد مساعدة كبيرة في وأد وتحجيم الكثير من مشاريع الضرار والتي تستهدف جميع شرائح هذا المجتمع.
– أنها – عادة – ما تقوم باكتشاف وإبراز الكوارد الدعوية المبدعة، والتي لا تستطيع تأسيس عملٍ دعويٍ بمفردها.
– أنها تتمتع بخاصية مهمة جداً تفتقدها الكثير من المشاريع الدعوية الكبيرة وهي (خاصية المرونة)، المرونة في مواكبة المتغيرات التي تفرض نفسها في بعض البيئات الدعوية لاستغلالها أو معالجتها، والمرونة في الوصول إلى شرائح مهمشة لم تستطع المشاريع الدعوية الكبيرة الوصول إليها.
– أنها توفر بيئة مناسبة لتأهيل بعض الكوادر الدعوية المميزة كي تساهم في بناء المشاريع الدعوية الكبيرة والضخمة.
– ومن الجانب الاقتصادي، فإنها ستوفر العديد من الفرص الوظيفية للمجتمع التي ستنشأ فيه.
إننا معشر المربين، والدعاة، والمصلحين بحاجة ماسة إلى جهد جماعي مؤسسي؛ لرأب الصدوع . صدوع على المستوى التربوي، وصدوع على المستوى العلمي، وصدوع على المستوى الفكري، والإعلامي و..الخ.
لذلك، فإن من واجبنا أن نغرس في نفوس أبناء هذه الصحوة المباركة، أن العمل للدين مسؤولية الجميع. فالعمل للدين دليل الانتماء إليه، ولقد كان هذا الحس حاضراً وواضحاً عند الجيل الأول، فما يكاد الواحد منهم يسلم حتى يجد لزاماً عليه الدعوة لهذا الدين، يبسط يده إلى اليد المباركة مبايعاً على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لا يبايع على غيرها، ثم يستشعر أن هذه البيعة قد ألبسته لباس الجندية ليعمل لهذا الدين.
ولنغرس في نفوسهم كذلك، أن العمل لهذا الدين ليس وقفاً أو حكراً على فئة محددة أو هيئة معينة، كلا! بل هو مسؤولية ملقاة على كاهل كل مسلم.
لنبين لهم أن العمل للدين موزع على أدوار كثيرة ولن يعجز أحدهم أن يجد دوراً يناسب ميوله وإمكاناته. فليست الدعوة –فقط- إلقاء المحاضرات، وعقد الندوات والمؤتمرات، وفتيا السائلين، بل هي أكبر بكثير من ذلك، فهناك أدوار لم تمس، أخرى لم تكتشف بعد. فهاهي –مثلاً- الثورة التقنية تبين لنا ذلك، فهي لم تترك عذراً لأحد في التقاعس والتخاذل عن العمل لهذا الدين (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم).
سأحاول أن أقدم في هذه السلسلة المباركة –بإذن الله- منهجاً عملياً، وعلمياً يرشد كل من يحدوه الأمل والتفاؤل لحاضر ومستقبل مشرق لهذه الأمة؛ كي يؤسس مشروعه الدعوي على أسس قوية قويمة.
وأستحضر في هذا السياق مقولة للدكتور عبدالكريم بكار يقول فيها:
(إن قليلاً من الإمكانات والوسائل مع كثير من الفكر والتخطيط والفاعلية التنظيمية والحركية، أعود على الأمة بالخير والنفع من أكداس الأشياء الضائعة والمهملة).
التعليقات مغلقة.
رائع ، أثرت حماسي ولهفتي لبقية مقالات السلسة ..
وأحسنت في اختيار الموضوع…
بوركت.
حياك الله أخي بدر..
وأنت أثرت حماستي أيضاً، بهذه الكلمات المحفزات، وأرجو أن أكون عند حسن ظن القارئ العزيز
تحياتي,,
جميل جداً..
فعلاً نسمع كثيراً عن أنه لابد من الدراسة و التخطيط ، و لكن الطريقة العملية للدراسة و التخطيط قد لا تذكر حتى تطبق..
و أرى ان هذه خطوة عملية إيجابية ننتظرها بشغف 🙂
أشكرك أخي الفاضل أبو بكر..
الأجمل من ذلك هو مرورك 🙂