– مراعاة الخصائص الذاتية (الفروق الفردية) لكل فرد محل التربية:
كان صلى الله عليه وسلم يراعي وينمي الخصائص الذاتية/ الفردية لكل فرد من الصحابة، ولذلك كان جوابه يختلف كلما سُئل: (أي الأعمال أفضل؟) مراعياً بذلك حال السائل وطبيعته، فيجيب مرة بقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الأعمال، الإيمان بالله وحده ، ثم الجهاد)إلى آخر الحديث ، ويجيب مرة أخرى بقوله : (أفضل الأعمال، الصلاة في أول وقتها )، وكذلك : (أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سروراً..) الحديث إلخ وينظر إلى عبد الله بن عمر، فيري فيه أهلية لصلاة الليل، فيقول فيه : (نِعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل،وعندما يُسلم خالد بن الوليد، وهو قائد عسكري بطبعه، فيزكي فيه النبي صلى الله عليه وسلم، هذه الموهبة، ويوجهها إلى خدمة الحق: (نِعمَ عبدُ الله ، خالد بن الوليد : سيف من سيوفُُ الله. ويقول في أبي عبيدة بن الجراح: (إن لكل أمة أمينا،ً وأن أميننا ـ أيتها الأمة ـ أبو عبيدة بن الجراح ، ويدعو صلى الله عليه وسلم لابن عباس قائلاً: (اللهم علّمه الحكمة، اللهمّ علمه الكتاب )، وقال صلى الله عليه وسلم : (أرحم أمتي بأمتي: أبو بكر، وأشدهم في أمر الله: عُمر، وأصدقهم حياءً: عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله: أبيّ بن كعب، وأفرضهم: زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام: معاذ بن جبل، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة: أبو عبيدة بن الجراح)، إلى غير ذلك من الأحاديث التي تضع الأسس للعناية بمواهب المدعوين، وتنمية خصائصهم الذاتية، واستمرارية معايشتهم، ودوام تربيتهم، وصقلهم.
– الاستفادة من مراجع تربوية أخري:
إن اعتماد منابع أخرى للتربية ، تساعد على فهم النصوص الشرعية ، وفهم النفس الإنسانية ، والمجتمع الإنساني، والواقع المتطور المتجدد إلخ ، أمر غير منكور لكن ليس باعتبارها مصادر، ولكن فقط باعتبارها مراجع، تساعد على تنزيل الحقائق الإسلامية، المستفادة من النصوص الشرعية ، في النفس والمجتمع. أما التربية الوضعية، فتعتمد الفكر البشري في تربية الأفراد، باعتباره المنبع الأول للمفاهيم التربوية، سواء كان هذا الفكر ذوقاً صوفياً أو فهماً عقلياً . وإن كان ثمة من نصوص شرعية في هذه الوساطات، فلا تبلغ المتلقي في نسقها القرآني، أو الحديثي، ولكن في نسقها الصوفي أو العقلاني. فالمصدرية ههنا إذن لا تكون للنصوص الشرعية ، وإنما لإفهام المربين. فلنفرض أن الرسالة التربوية، التي يراد تبليغها في جلسة تربوية معينة، هي مفهوم (الخشوع)، فلغرسه في قلب المؤمن على مادة مرجعية، كأن يكون ذلك من خلال كتاب الرعاية لحقوق الله للحارث المحاسبي، أو إحياء علوم الدين للغزالي، أو مدارج السالكين لابن القيم، أو حتى من خلال موعظة الشيخ الشفهية، أو ورده الذي وضعه للمريدين، فإن كل ذلك سيؤثر لا محالة، لكن التأثير يكون سطحياً، بحيث يغير من (الحال لا من المقام) ، كما يعبر القوم، فهو لا يلامس البنية الداخلية في شخصية الفرد، ولكن يغير أحوالها الخارجية، فتحدث حاله (الخشوع)، التي قد لا تستمر طويلاً، ولن يكتسب بها صاحبها (مقام) الخشوع.
أما إخضاع المتربي، لتكوين تربوي ينتظم النصوص.. قرآناً وسنة، الواردة في هذا المفهوم وحثه على مساهمته الشخصية في مدارستها، وتنبيهه إلى معانيها العميقة ، وربطه مباشرة بها، من مثل قوله تعالى: (ألم يأن للذين ءامنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أُوتُوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون)(الحديد :16). هذا فضلاً عن كون التربية المصدرية تربية شمولية، لأن الارتباط بالنصوص الشرعية لا يكون إلا كلياً ، إذ بعضها يحيل على بعض ، وبعضها يفسر بعضها الآخر. المصدرية لا تعني إلغاء المراجع، التي هي فهوم الناس للتدين، تصوراً وممارسة ، ولكنها تعني الإبقاء عليها ، في سياقها ، المرجعي؛ حتى لا تكون لها أبداً السلطة المصدرية ، ذات الطبيعة المطلقة ، والتعبدية بمعناها المحض ، بل تبقى باعتبارها مراجع ، تتضمن تجارب دعوية، تفيد كأدوات إجرائية ، لحسن الاستفادة من القرآن والسنة باعتبارهما مصدرين تربويين خاصة.
صفوة القول: هذه إطلالة سريعة علي بعض خصائص التربية الدعوية. إن ثمة علوما تُدرس، وأبحاثاً تُجري، ودورات تُعقد، ونظريات تُنشر، وشركات تُنفذ، ومُعدات تُنجز، وميزانيات تُخصص، ومنح داخلية وخارجية تُرصد لضمان تفعيل وتطوير المناهج التربوية، وتعظيم كفاءتها في المنظومة التربوية والتعليمية، لكن ينبغي ان يكون كل هذا وذاك وفق كتاب ربنا وسنة نبينا صلي الله عليه وسلم، يقول ربنا جل شأنه:”وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ”(الشوري:52). وصلي اللهم وسلم علي معلم الناس الهدي، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.
المصادر والهوامش:
– فريد الأنصاري، التوحيد و الوساطة في التربية الدعوية (جزأين)، سلسة كتاب الأمة العددين ، 47، 48، (جمادي الأولي، والآخرة 1416) قطر.
– مواقع الكترونية ذات صلة.
التعليقات مغلقة.
الأخ الحبيب / أ . د / ناصر أحمد سنه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد شرف بكم هذا الملتقى التربوي المنتقى الناجح , وقد سعدت بمقالاتكم الرائعة جعلها الله زاداً لكم إلى رضا الرحمن
وسبيلاً لكم إلى دخول الجنان , والفوز بالفردوس الأعلى مع النبي العدنان .
الأخ أ.د. بدر عبد الحميد هميسه/ المحترم
جزاك الله خيراً علي هذه الكلمات، ونفع الله تعالي بكم وبعلمكم، واثابكم سبحانه وتعالي علي كل جهودكم التعليمية والتربوية والتثقيفية. والتي كلما تصفحت موقعا وجدتها تشع ألقا وبريقا، وذات ثقل علمي ودعوي وتربوي.
وشكرا الله تعالي للأخوة القائمين علي هذا الملتقي الكريم، فقد أتاحواويسروا سبل التعارف التواصل في سبيل الله تعالي.
وعما قريب نلتقي بعون الله تعالي فجامعة الأسكندرية ليست ببعيدة سوي نحو 210 كم عن القاهرة، والسلام
ناصر سنه