سيناريو المهارات


بقلم:
بـدر بـاسـعد
badr.bassad@gmail.com


ليست قضية الاهتمام بالمهارات بالأمر الذي يحتاج إلى مزيد إقناع وتكرار للتأكيد على أهميته وضرورة الحاجة إليه فقد تجاوزت الأوساط التربوية هذا الأمر . وبدأ موضوع التأكيد على تأهيل المربي يتخذ مساحة نقدية ومن ذلك ما قاله الشيخ محمد الدويش :


الانتقال من النموذج التقليدي للمربي يفرض تحديا مهما في تأهيل المربين وإعدادهم بالارتقاء بأدائهم ، وتحديا في إعادة النظر في العملية التربوية وأهدافها”


ولعله من المناسب أن نذكر أن مسألة الإعداد الجيد ليست جديدة في التراث الإسلامي بل هي قديمة ومعروفة فقد وضع العلماء شروطا لمن يتولى مناصب معينة كالولاية الكبرى وأختها الصغرى والاجتهاد والتصدر للإفتاء وهذا معروف بل الأمر اتخذ مدى أعظم بوضع اختبارات القبول للتأكد من أهلية المتصدر للأمر وكلنا يذكر النجاح الباهر الذي حققه محمد بن إسماعيل في اختبار الحديث !  وقبله اختبار عمر بن الخطاب لابن عباس ليدرك كبار الصحابة أهليته واستحقاقه لمنصب ( عضو مجلس الشورى ) فالاعتبار بالشروط والكفاءات في الولايات عندنا نحن المسلمين أعلى بكثير من اعتبارات الأنساب والأجناس . ومن الحكم في هذا الباب لمعة من لمع الجويني حين قال : ( الاستعداد للمراتب على قدر أخطار المناصب ).


ننتقل إلى غرض المقالة وهو التعريف بأسلوب من أساليب اكتشاف المهارات ،  وأسلوبي المفضل في اكتشاف المهارات اللازمة اسمه ( السيناريو ) وهو فعلا سيناريو وطريقته تكون بأن ” يستعرض حالة الوسط بالتفصيل وكأنه قصة بديعة أو حوار جرئ وكلما مرت نقطة مميزة وضع عندها رقم صغير ثم يكتب في الهامش ما تتضمنه هذه النقطة من ملاحظات ” .ميزة هذه الطريقة أنها لا تتطلب من المربي أي قدرات تحليلية عميقة ، كل ما عليه أن يروي طريقة الوسط التي يألفها كل يوم ولكن بأكبر قدر من التفاصيل ثم يثير تساؤلات عند كل نقطة في القصة حول المهارات اللازمة لإجادة هذا العمل . وسوف أجري مثالا بسيطا على هذه الطريقة .

( بسم الله الرحمن الرحيم ، وبه أستعين وبعد : فإن هذا الوسط بمدينة جدة[1] يهتم بطلاب المرحلة الثانوية[2] ويستمر لمدة ثلاث سنوات[3] يقضي فيها الطالب الوقت بين المغرب والعشاء لحفظ وتسميع القرآن الكريم[4] لمدة خمس أيام في الأسبوع[5] وفي يوم الخميس يكون هناك رحلة مبسطة من العصر إلى العشاء تحتوي على برنامج رياضي[6] يمتد إلى أذان المغرب وآخر ثقافي واجتماعي ينتهي بصلاة العشاء[7] … ) .


هذا هو أسلوب السيناريو ، وهذه التجربة في الحقيقة تسمى تجربة ( خاطئة ) لتطبيق الأسلوب لأنها وبكل بساطة راحت تروي حكاية الوسط مبتعدة عن الهدف ، فالهدف هو معرفة المهارات التي يلزم أن يتحلى بها المربي من أجل رفع كفاءة أداؤه التربوي ولذا من المهم التركيز على تفصيل التعامل التربوي بين المربي والمتربي / المدرس والطالب .. لا أن يتم إجمالها كما حصل في المثال السابق .


وقد أحببت أن أثبت هذه التجربة الخاطئة هنا لأننا يجب أن ندرك أهمية التعلم من الأخطاء .. فكثيرا ما يحاول المربي أن يبدأ بداية منهجية مرتبة على تلك الأسس التي يسمعها من أصحاب الخبرات التخطيطية ولكنه يفشل ، ويتراجع عن فكرته إلى أسلوبه القديم لأنه أسهل وأنجح وكما يقال : شيء تعرفه خير من شيء تجهله .. وكل هذا حاصل وموجود لقلة المعين ولصعوبة ابتداء الطريق وكثرة الساخرين وضعف اليقين بجدوى هذه الطرق عند غير المجربين .


سيناريو المهارات من جديد :

( وسطنا الذي نشرف عليه يهتم بتربية طلاب المرحلة الثانوية[8] وطريقتنا المتبعة في الوسط هي أن يقدم الطالب استمارة تسجيل في الحلقة [9] إلى مدرس الحلقة [10] وحين تأتي الموافقة [11] يبدأ الطالب في الانتظام في الحلقة [12] فيضع له مدرس الحلقة خطة الحفظ والمراجعة [13] ويبين له أهمية الالتزام وعدد من النصائح التي تعينه في بداية حياته في هذا الدرب المشرق[14] ثم يأخذ الطالب مصحفه ويحفظ مع إخوانه حتى يأتي دوره .. ) .

أكتفي بهذا القدر من التمثيل .

وأختم بأهمية تعليم المتربي ضرورة الاعتناء بتأهيل نفسه مهاريا في أي جانب من جوانب الحياة المتعلقة به كالزواج ، وتربية الأطفال ، والوظيفة ، وأي عمل آخر كالتأليف ، والتقديم ، والخطابة ، والتعامل مع الناس والإقناع والمحاورة … إن ترسيخ هذه العقلية سوف يساهم بشكل كبير في تقدم شباب الصحوة برَتوةٍ أمام غيرهم من الشباب.


[1] لاحظ الطالب الجداوي يختلف عن غيره من المناطق ، كذلك لاحظ وجود هل يوجد من هو من غير مدينة جدة ؟ قد يكون يواجه متاعب معينة باعتباره جديدا على المدينة وعلى الوسط.

[2] معلوم مرحلة الثانوية تتميز بسمات معينة ( جسدية ، نفسية ، وغيرها ) فمن المناسب أن يقوم المعلم بفهم طبيعة طالب الثانوي ولذا أقترح أن يكون هناك دورة لمعلمي طلاب المرحلة الثانوية في هذا الشأن.

[3] في الحقيقة المدة الثابتة تعطيك قدرة على التوزيع في المنهج وتعطيك قدرة على التكامل بين البرامج .. ولذا فمن المقترحات : كتابة منهج لهذه المراحل الثلاث يحدد فيه الأهداف التي ينبغي أن يدركها طالب المرحلة الثانوية .

[4] يمكن للمعلم أن يرشد الطالب إلى أساليب تدبر القرآن كل أسبوع أسلوب . على سبيل المثال : أول ربع ساعة من كل يوم سبت .

[5] هل يحتاج أن تكون أقل أو أكثر ؟

[6] ما هي أهداف البرنامج الرياضي ؟ وما آثاره على الطلاب ؟ وما المشكلات التي تواجهنا خلاله ؟

[7] من الذي يعد الرحلة ؟ وهل يمكن استثمارها في وضع برنامج يبني الفرد ؟ وما آثارها الاجتماعية ؟ وما هو السبب فيها ؟

[8] دورة للمدرسين عن هذه المرحلة كما مرّ معنا .

[9] هل يمكن أن تكون الكترونية ؟ أو عن طريق الموقع ؟

[10] يحتاج مدرس الحلقة أن يكون متمتع بمظهر جيد وأسلوب مريح لأولياء الأمور والطلاب وفي نظري ينبغي أن يكون المسئول عن التسجيل شخص واحد ويعطى دورة في مهارات الاتصال ، مهارات الاقناع ، مهارات الحاسب الآلي .

[11] ما هي المعايير التي تعتمد عليها الموافقة على الطالب ؟ من المهم أن تكون واضحة وياليت تكون مكتوبة .

[12] هل يعطى الطالب ورقة بالواجبات التي عليه في الحلقة كالالتزام بالزي ، والالتزام بالحفظ ، وغيرها من الأمور التي يراها مشرف الوسط… والشيء بالشيء يذكر ، فهذا الطالب كما أن عليه واجبات فإن له حقوقا فهل يعرف ما هي حقوقه والتي يمكن أن يكون منها : توفير مدرس يستمع له باهتمام ويعامله باحترام .. وفي رأيي أن مسألة الحقوق والواجبات هنا ينبغي أن تهمل ولا تذكر إلا إذا اكتشفنا وجود مشكلات حقيقة وإلا فتركها لحسن اهتمام المدرس ودماثة خلقه وحرص الطالب واحترامه ومروءته أولى بكثير من التعاملات الجافة التي تفرضها الحقوق والواجبات .

[13] دورة عن مهارة الحفظ واستعادة المحفوظ .

[14] يمكن أن نضع دورة لكل طالب مستجد عن آداب الحلقة ، طرق الحفظ والمراجعة ، وآداب حملة القرآن ، ونصائح أخري يحتاجها الطالب في بداية انظامه .. وإذا تعسر عقدها لكل طالب على حدة وهذا هو الواقع فيمكن عقدها كل ستة أشهر على سبيل المثال لجميع الطلاب المستجدين خلال هذه الفترة . بل يمكن أن يكون هناك مركز خاص بتأهيل طلاب ومعلمي الحلقات يضع مثل هذه الدورة في حسبانه بدلا من أن تقوم بها الحلقات التي قد لا تجد الطاقات الكافية .

4 thoughts on “سيناريو المهارات”

التعليقات مغلقة.

نُشرت بواسطة

إدارة الموقع

إدارة الموقع

موقع تربوي يقدم تجربته في الحوار والإثراء المعرفي من عالم التطبيقات وعالم الواتساب الصغير إلى عالم المواقع وعالم الإثراء الكبير.