بقلم: بـدر بـاسـعد
badr.bassad@gmail.com
انتهينا في الحلقة الماضية من التعامل مع عامل الزمان وأثره في العملية التربوية ، وها نحن على أعتاب مناقشة العامل الثاني وهو ( المكان ) ، وفي البداية : أود الإشارة إلى أن هذا العامل أكثر استقرارا من العامل السابق ، فهو لا يحتاج إلى مواكبة ومراعاة للمستجدات فهو يتميز بالثبات والاستقرار. وكما شاهدنا كيف يفرض الزمان علينا موضوعاته ويدفعنا كمربين ودعاة دفعا إلى المواكبة فسوف نشاهد عامل ( المكان ) يفرض علينا موضوعاته التي تدفعنا إلى التحدي والمواجهة .
إن المكان قد يتسم بانتشار بدعة بين الناس كالتصوف ، وقد يتسم أهله بطبع من الطباع كالجود أو البخل أو الخوف من المخاطرة وإيثار السلامة أو حب الدعة والترف أو السلبية وغيرها من الصفات التي تعرف عن أهل هذا البلد أو ذاك. ولتوضيح الفرق بين عامل المكان والزمان عليك أن تلاحظ أن عامل الزمن يتوقف على الأحداث والمستجدات التي تطرأ على الساحة سواء أكانت سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أما عامل المكان فهو يتعلق بما هو من خصائص هذا المكان أو سماته الراسخة فيه وبالتالي يمكن إجمال الفرق بأن نقول أن المكان متعلق ( بالثوابت ) والزمان مستغرق في ( المتغيرات ).
وحديثنا عن صبغة المكان لأفراده والوطن لأبنائه حديث لا يحتاج إلى برهان لتأكيده ، فكلنا نلاحظ الفرق بين الشاب المصري والشاب السعودي والشاب الفلسطيني والشاب العراقي والآخر السوداني ولكن مشكلتنا هي في القدرة على التعبير عن هذه الصفات المتفاوتة وفي كيفية توظيفها في الدعوة والتربية بل حتى أبناء الوطن الواحد يتفاوتون في السمات والصفات بحسب بيئتهم التي يعيشونها ، فالذي يعيش في جدة بجوار البحر يختلف في الطباع عن القادم من هضبة نجد ، وعن راعي الغنم في المروج الخضراء بأبها وعن راعي الإبل في المنطقة الشمالية. ومن هنا كانت الحاجة ماسة إلى أن يكتب علماء الاجتماع في توضيح هذه الخصائص وبيان كيفية استغلالها في الدعوة والتربية ولكن مما يخفف من وطأة هذه الحاجة أن يكون المربي من أبناء المنطقة ذاتها يعرف أعرافهم ويدرك منازل أقوامهم . فلا ينبغي أن يتصدر الداعية لدعوة قوم حتى يلم بثقافتهم كي يحسن دعوتهم ولا يقع في أخطاء تصد الناس عن دعوته وعن سبيل الله تعالى. فالذي تربى بين قومه ونشأ فيهم فإن نفسه تتشبع بالأعراف والتقاليد وإدراك أبعاد الألفاظ ومقاصد الحركات والتصرفات والإشارات فلا يكاد يعزب عنه منها شيء فمثل هذا إذا تصدر يوما لدعوتهم كان أقرب إلى نفوسهم وأقدر على تصحيح أمورهم وأكثر خبرة ودراية بمراتب قومه حتى ولو لم يملك القدرة على التعبير عن فهمه لبيئته وإدراكه لطبيعة مجتمعه .
ومع هذا كله فإن الاهتمام باستكتاب علماء الاجتماع جيد ونافع خصوصا في توريث الخبرة والمعرفة بهذه الدقائق. و” إن قيام الدعاة بالاستفادة من تحليل شخصية الفرد في البلد الذي تعمل فيه من خلال كتابات علماء الاجتماع ومن ثم رصد انعكاسات المجتمع عليه يعين على تحديد كثير من المعاني التي يركز الداعية على تربية المدعو عليها، وقد يكون من المستحسن طرح هذا المبحث خلال مؤتمر خاص. ومثل هذا المنحنى يقودنا إلى عدم تقليد الأوساط المختلفة البيئات لبعضها لبعض الخطوات الأولى في الدعوة ، ولا إنكار بعضها على بعض إذا اختلفت في فهم الأولويات التربوية لطبيعة هذه الخلال والصفات المختلفة التي تجعل المر نسبيا محضا”[1].
وكل هذا التوضيح والبيان في المقال إنما هو جزء من المعنى الذي نريد أن نصل إليه حول أهمية ( اتخاذ إجراء مناسب ) داخل الأوساط التربوية من أجل الوصول إلى نظرة أدق حول طبيعة وسمات الشباب الذين يعيشون في الوسط التربوي ولا شك أنه سيظل هناك فروقا فردية لعلي أتحدث عنها في مقال لاحق .
ختاما : هل هذا كل ما يتعلق بالمكان ؟
بالطبع كلا ، فإننا يمكن أن نعتبر الحديث السابق كله عن المكان بمعناه الرحب والواسع ، وأما المكتبة أو الفصل الذي يجتمع فيه أفراد الوسط وتتم فيه العملية التربوية ، وما يدور حوله من مقترحات عن تهيئته للمتربي وإعداده من أجل تيسير العملية التربوية : فأرى أنه من الأفضل أن يكون أحد عناصر الحديث عن المنهج التربوي وليس هنا في هذا الموضوع الرحب ذو الأفق الواسع الممتد.
[1] بتصرف من كلام محمد أحمد الراشد : المسار .
التعليقات مغلقة.
جميل
بارك الله فيك
لكن ليتنبه الجميع
بأن عدم إلمامك بعادات المدعويين وأعرافهم
ليس عائقاً كبيراً
بل عائق يمكن تجاوزه؛ لا إهماله
ولعلي قد أوضحت وأوجزت
إضافة قيمة .. أبا عبيدة .
ولكن كيف يمكن تجاوز هذا العائق ، إذا لم تكن هناك فئة متصدره للكتابة والبحث في هذا المجال .
ولا أود أن يكون الحديث قاصرا على ( المجتمع المحلي ) فقط بل يمتد إلى جميع شعوب العالم ..
إذا : فكتابة الرحلات وتقييد عادات وأوضاع الشعوب قاطبة من العلوم المهمة في العلوم الإنسانية الإسلامية.
وأود أن أشير إلى الدور الذي لا يستهان به من قبل الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة .
بارك الله في القائمين عليها ونفع بهم وأعانهم على ما فيه لم شمل الأمة .